للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ أَيْضًا يُبَيِّنُ قُوَّةَ حَاجَةِ الْعَبْدِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَاللَّجَأِ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي طَاعَتِهِ وَيُجَنِّبَهُ مَعْصِيَتَهُ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ إِلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِعَانَتِهِ لَهُ، فَإِنَّ مَنْ ذَاقَ مَرَارَةَ الِابْتِلَاءِ وَعَجْزَهُ عَنْ دَفْعِهِ إِلَّا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، كَانَ شُهُودُ قَلْبِهِ وَفَقْرُهُ إِلَى رَبِّهِ وَاحْتِيَاجُهُ إِلَيْهِ فِي أَنْ يُعِينَهُ عَلَى طَاعَتِهِ وَيُجَنِّبَهُ مَعْصِيَتَهُ أَعْظَمَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ دَاوُدُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِنْهُ قَبْلَ الْخَطِيئَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ أَحَبَّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ لَمَا ابْتَلَى بِالذَّنْبِ أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَيْهِ.

وَلِهَذَا تَجِدُ التَّائِبَ الصَّادِقَ أَثْبَتَ عَلَى الطَّاعَةِ وَأَرْغَبَ فِيهَا وَأَشَدَّ حَذَرًا مِنَ الذَّنْبِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يُبْتَلَوْا بِذَنْبٍ، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَتَلَ رَجُلًا بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ؟ " (١)) . أَثَّرَ هَذَا فِيهِ حَتَّى كَانَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَانَ هَذَا مِمَّا أَوْجَبَ امْتِنَاعَهُ مِنَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ.

وَقَدْ تَكُونُ التَّوْبَةُ مُوجِبَةً لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ مَا لَا يَحْصُلُ لِمَنْ يَكُنْ مِثْلُهُ (تَائِبًا) مِنَ الذَّنْبِ (٢) .، كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ:


(١) الْحَدِيثُ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجُنْدُبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي: الْبُخَارِيِّ ٥/١٤٤ (كِتَابُ الْمَغَازِي، بَابُ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ) ; مُسْلِمٍ ١/٩٦ - ٩٨ (كِتَابُ الْإِيمَانِ، بَابُ تَحْرِيمِ قَتْلِ الْكَافِرِ بَعْدَ أَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ
(٢) فِي الْأَصْلِ: لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ مِنَ الذَّنْبِ، وَزِدْتُ كَلِمَةَ (تَائِبًا) لِيَسْتَقِيمَ الْكَلَامُ

<<  <  ج: ص:  >  >>