فَمَنْ يَجْعَلُ التَّائِبَ الَّذِي اجْتَبَاهُ اللَّهُ وَهَدَاهُ مَنْقُوصًا بِمَا كَانَ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ، وَقَدْ صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ خَيْرًا مِمَّا كَانَ قَبْلَ التَّوْبَةِ، فَهُوَ جَاهِلٌ بِدِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ نَقْصٌ مَعَ وُجُودِ مَا ذُكِرَ فَجَمِيعُ مَا يَذْكُرُونَهُ هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ، وَهُوَ نَقْصٌ إِذَا لَمْ يَتُبْ مِنْهُ، أَوْ هُوَ نَقْصٌ عَمَّنْ سَاوَاهُ إِذَا لَمْ يُصِرَّ بَعْدَ التَّوْبَةِ مِثْلَهُ، فَأَمَّا إِذَا تَابَ تَوْبَةً مَحَتْ أَثَرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَبَدَّلَتْ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ فَلَا نَقْصَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِهِ، وَإِذَا صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُسَاوِيهِ أَوْ مِثْلَهُ لَمْ يَكُنْ نَاقِصًا عَنْهُ (١) . .
وَلَسْنَا نَقُولُ إِنَّ كُلَّ مَنْ أَذْنَبَ وَتَابَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يُذْنِبْ ذَلِكَ الذَّنْبَ، بَلْ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعُودُ إِلَى مَا كَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَعُودُ إِلَى مِثْلِ حَالِهِ، وَالْأَصْنَافُ الثَّلَاثَةُ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ لَمْ يُذْنِبْ وَيَتُبْ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ، وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ دُونَهُ.
وَهَذَا الْبَابُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ تَفْصِيلِهَا، وَلِبَسْطِهَا مَوْضِعٌ آخَرُ، وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ.
وَلِهَذَا كَانَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقِينَ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ أَحْوَالِ الْأَنْبِيَاءِ، لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ الْقَوْلُ بِمَا أَحْدَثَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَالرَّافِضَةُ وَمَنْ
(١) فِي الْأَصْلِ: وَإِذَا صَارَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَفْضَلَ مِمَّنْ يُسَاوِيهِ أَوْ أَفْضَلَ لَمْ يَكُنْ نَاقِصًا عَنْهُ، وَلَعَلَّ الصَّوَابَ مَا أَثْبَتُّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute