للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبخه فقد اجتمعت لي فيه مرافق

وخرج يوماً يريد الخليفة المهدي فقالت له امرأة من أهله مالي عليك إن رجعت بالجائزة فقال إن أعطيت مائة ألف أعطيتك درهماً فأعطي ستين ألف فأعطاها أربعة دوانق

واشترى مرة لحماً بدرهم فدعاه صديق له فرد اللحم إلى القصاب بنقصان دانق وقال أكره الإسراف

وكان للأعمش جار وكان لا يزال يعرض عليه المنزل ويقول لو دخلت فأكلت كسرة وملحاً فيأبى عليه الأعمش فعرض عليه ذات يوم فوافق جوع الأعمش فقال سر بنا فدخل منزله فقرب إليه كسرة وملحاً فجاء سائل فقال له رب المنزل بورك فيك فأعاد عليه المسألة فقال له بورك فيك فلما سأل الثالثة قال له اذهب والله وإلا خرجت إليك بالعصا قال فناداه الأعمش وقال اذهب ويحك فلا والله ما رأيت أحداً أصدق مواعيد منه هو منذ مدة يدعوني على كسرة وملح فوالله ما زادني عليهما

بَيَانُ الْإِيثَارِ وَفَضْلُهُ

اعْلَمْ أَنَّ السَّخَاءَ وَالْبُخْلَ كل منهما ينقسم إلى درجات

فأرفع درجة السخاء الإيثار وهو أن يجود بالمال مع الحاجة

وَإِنَّمَا السَّخَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ بَذْلِ مَا لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ لِمُحْتَاجٍ أَوْ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ وَالْبَذْلُ مَعَ الْحَاجَةِ أَشُدُّ

وَكَمَا أَنَّ السَّخَاوَةَ قَدْ تَنْتَهِي إِلَى أَنْ يَسْخُوَ الْإِنْسَانُ عَلَى غَيْرِهِ مَعَ الْحَاجَةِ فَالْبُخْلُ قَدْ يَنْتَهِي إِلَى أَنْ يَبْخَلَ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ الْحَاجَةِ فَكَمْ مِنْ بَخِيلٍ يُمْسِكُ الْمَالَ وَيَمْرَضُ فَلَا يَتَدَاوَى وَيَشْتَهِي الشَّهْوَةَ فَلَا يَمْنَعُهُ مِنْهَا إِلَّا الْبُخْلُ بِالثَّمَنِ وَلَوْ وَجَدَهَا مَجَّانًا لَأَكَلَهَا

فَهَذَا بَخِيلٌ عَلَى نَفْسِهِ مَعَ الْحَاجَةِ وَذَلِكَ يُؤْثِرُ عَلَى نَفْسِهِ غَيْرَهُ مَعَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ

فَانْظُرْ مَا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَإِنَّ الْأَخْلَاقَ عَطَايَا يَضَعُهَا اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ وَلَيْسَ بَعْدَ الْإِيثَارِ دَرَجَةٌ فِي السَّخَاءِ

وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِهِ فَقَالَ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ولو كان بهم خصاصة وقال النبي صلى الله عليه وسلم أيما امرئ اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر على نفسه غفر له (١) حديث عائشة ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متواليات ولو شئنا لشبعنا ولكنا كنا نؤثر على أنفسنا أخرجه البيهقي في الشعب بلفظ ولكنه كان يؤثر على نفسه وأول الحديث عند مسلم بلفظ ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام تباعاً من خبز بر حتى مضى لسبيله وللشيخين ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة ثلاثة ليال تباعا حتى قبض زاد مسلم من طعام

ونزل بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَيْفٌ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ أَهْلِهِ شَيْئًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَذَهَبَ بِالضَّيْفِ إِلَى أَهْلِهِ ثُمَّ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ الطَّعَامَ وَأَمَرَ امْرَأَتَهُ بِإِطْفَاءِ السِّرَاجِ وَجَعَلَ يَمُدُّ يَدَهُ إِلَى الطَّعَامِ كَأَنَّهُ يَأْكُلُ وَلَا يَأْكُلُ حَتَّى أَكَلَ الضَّيْفُ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمُ اللَّيْلَةَ إِلَى ضَيْفِكُمْ وَنَزَلَتْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهم ولو كان بهم خصاصة // حديث نزل به ضَيْفٌ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَ أَهْلِهِ شَيْئًا فَدَخَلَ عليه رجل من الأنصار فذهب به إلى أهله الحديث في نزول قوله تعالى وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ متفق عليه من حديث أبي هريرة

فَالسَّخَاءُ خُلُقٌ مِنْ أَخْلَاقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِيثَارُ أعلى درجات السخاء

وكان ذلك من أدب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَظِيمًا فَقَالَ تَعَالَى وَإِنَّكَ لعلى خلق عظيم وقال سهل بن عبد الله التستري قال موسى عليه السلام يا رب أرني بعض درجات محمد صلى الله عليه وسلم وأمته فقال يا موسى إنك لن تطيق ذلك ولكن أريك منزلة من منازله جليلة عظيمة فضلته بها عليك وعلى جميع خلقي قال فكشف له عن ملكوت السموات فنظر إلى منزلة كادت تتلف نفسه من أنوارها وقربها


(١) حديث أيما رجل اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر على نفسه غفر له أخرجه ابن حبان في الضعفاء وأبو الشيخ في الثواب من حديث ابن عمر بسند ضعيف وقد تقدم
وقالت عائشة رضي الله عنها ما شبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام متوالية حتى فارق الدنيا ولو شئنا لشبعنا ولكنا كنا نؤثر على أنفسنا

<<  <  ج: ص:  >  >>