لأن أحداً لم يعط منهما شيئاً إلا تاقت نفسه ودعته إلى ما هو أفضل منه
فقال ما بالكم قد احتفرتم قبوراً فإذا أصبحتم تعاهدتموها فكنستموها وصليتم عندها قالوا أردنا إذا نظرنا إليها وأملنا الدنيا منعتنا قبورنا من الأمل
قال وأراكم لا طعام لكن إلا البقل من الأرض أفلا اتخذتم البهائم من الأنعام فاحتلبتموها وركبتموها فاستمتعتم بها قالوا كرهنا أن نجعل بطوننا قبوراً لها ورأينا في نبات الأرض بلاغاً وإنما يكفي ابن أدنى العيش من الطعام وأيما ما جاوز الحنك من الطعام لم نجد له طعماً كائناً ما كان من الطعام ثم بسط ملك تلك الأرض يده خلف ذي القرنين فتناول جمجمة فقال ياذا القرنين أتدري من هذا قال لا ومن هو قال ملك من ملوك الأرض أعطاه الله سلطاناً على أهل الأرض فغشم وظلم وعتا فلما رأى الله سبحانه ذلك منه جسمه بالموت فصار كالحجر الملقى وقد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه به في آخرته
ثم تناول جمجمة أخرى بالية فقال ياذا القرنين هل تدري من هذا قال لا أدري ومن هو قال هذا ملك ملكه الله بعده قد كان يرى ما يصنع الذي قبله بالناس من الغشم والظلم والتجبر فتواضع وخشع لله عز وجل وأمر بالعدل في أهل مملكته فصار كما ترى قد أحصى الله عليه عمله حتى يجزيه به في آخرته
ثم أهوى إلى جمجمة ذي القرنين فقال
وهذه الجمجمة قد كانت كهذين فانظر ياذا القرنين ما أنت صانع فقال له ذو القرنين هل لك في صحبتي فأتخذك أخاً ووزيراً وشريكاً فيما أتاني الله من هذا المال قال ما أصلح أنا وأنت في مكان ولا أن نكون جميعاً قال ذو القرنين ولم قال من أجل أن الناس كلهم لك عدو ولي صديق قال ولم قال يعادونك لما في يديك من الملك والمال والدنيا ولا أجد أحداً يعاديني لرفضي لذلك ولما عندي من الحاجة وقلة الشيء قال فانصرف عنه ذو القرنين متعجباً منه ومتعظاً به فهذه الحكايات تدلك على آفات الغنى مع ما قدمناه من قبل وبالله التوفيق
تم كتاب ذم المال والبخل بحمد الله تعالى وعونه ويليه كتاب ذم الجاه والرياء
كتاب ذم الجاه والرياء وهو الكتاب الثامن من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله علام الغيوب المطلع على سرائر القلوب المتجاوز عن كبائر الذنوب العالم بما تجنه الضمائر من خفايا الغيوب البصير بسرائر النيات وخفافا الطويات الذي لا يقبل من الأعمال إلا ما كمل ووفي وخلص عن شوائب الرياء والشرك وصفا فإنه المنفرد بالملكوت فهو أغنى الأغنياء عن الشرك
والصلاة والسلام على محمد وآله وأصحابه المبرئين من الخيانة والإفك وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أخوف ما أخاف على أمتي الرياء والشهوة الخفية التي هي أخفى من دَبِيبَ النَّمْلَةِ السَّوْدَاءِ عَلَى الصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ فِي الليلة الظلماء // حديث إن أخوف ما أخاف على أمتي الرياء والشهوة الخفية أخرجه ابن ماجه والحاكم من حديث شداد بن أوس وقالا الشرك بدل الرياء وفسراه بالرياء قال الحاكم صحيح الإسناد قلت بل ضعيفه وهو عند ابن المبارك في الزهد ومن طريقه عند البيهقي في الشعب بلفظ المصنف
ولذلك عجز عن الوقوف على غوائلها سماسرة