للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الغيبة لأنه لم يتعرض لشخص بعينه حتى يستضر ذلك الشخص به وإنما قصد بذلك تحذير الناس وكان يخرج إلى مكة وقد كان مقامه ببغداد يرقب استعداد القافلة ستة عشر يوماً فكان يتصدق بستة عشر دينار لكل يوم دينار كفارة لمقامه

وقد ذم العراق جماعة كعمر بن عبد العزيز وكعب الأحبار

وقال ابن عمر رضي الله عنهما لمولى له أين تسكن فقال العراق قال فما تصنع به بلغني أن ما من أحد يسكن العراق إلا قيض الله قريناً من البلاء

وذكر كعب الأحبار يوماً العراق فقال فيه تسعة أعشار الشر وفيه الداء العضال

وقد قيل قسم الخير عشرة أجزاء فتسعة أعشاره بالشام وعشره بالعراق وقسم الشر عشرة أجزاء على العكس من ذلك

وقال بعض أصحاب الحديث كنا يوماً عند الفضيل بن عياض فجاءه صوفي متدرع بعباءة فأجلسه إلى جانبه وأقبل عليه ثم قال أين تسكن فقال بغداد فأعرض عنه وقال يأتينا أحدهم في زي الرهبان فإذا سألناه أين تسكن قال في عش الظلمة وكان بشر بن الحارث يقول مثال المتعبد ببغداد مثال المتعبد في الحش

وكان يقول لا تقتدوا بي في المقام بها من أراد أن يخرج فليخرج

وكان أحمد بن حنبل يقول لولا تعلق هؤلاء الصبيان بنا كان الخروج من هذا البلد آثر في نفسي قيل وأين تختار السكنى قال بالثغور

وقال بعضهم وقد سئل عن أهل بغداد زاهدهم زاهد وشريرهم شرير

فهذا يدل على أن من بلي ببلدة تكثر فيها المعاصي ويقل فيها الخير فلا عذر له في المقام بها بل ينبغي أن يهاجر قال الله تعالى ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فإن منعه عن ذلك عيال أو علاقة فلا ينبغي أن يكون راضياً بحاله مطمئن النفس إليه بل ينبغي أن يكون منزعج القلب منها قائلاً على الدوام ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وذلك لأن الظلم إذا عم نزل البلاء ودمر الجميع وشمل المطيعين قال الله تعالى واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة فإذن ليس في شيء من أسباب نقص الدين البتة رضاً مطلق إلا من حيث إضافتها إلى فعل الله تعالى فأما هي في نفسها فلا وجه للرضا بها بحال

وقد اختلف العلماء في الأفضل من أهل المقامات الثلاث رجل يحب الموت شوقاً إلى لقاء الله تعالى ورجل يحب البقاء لخدمة المولى ورجل قال لا أختار شيئاً بل أرضى بما اختاره الله تعالى ورفعت هذه المسألة إلى بعض العارفين فقال صاحب الرضا أفضلهم لأنه أقلهم فضولاً

واجتمع ذات يوم وهيب بن الورد وسفيان الثوري ويوسف بن أسباط فقال الثوري كنت أكره موت الفجأة قبل اليوم واليوم وددت أني مت فقال له يوسف لم قال لما أتخوف من الفتنة فقال يوسف لكني لا أكره طول البقاء فقال سفيان لم قال لعلي أصادف يوماً أتوب فيه وأعمل صالحاً فقيل لوهيب إيش تقول أنت فقال أنا لا أختار شيئاً أحب ذلك إلي أحبه إلى الله سبحانه وتعالى فقبله الثوري بين عينيه وقال روحانية ورب الكعبة

[بيان جملة من حكايات المحبين وأقوالهم ومكاشفاتهم]

قيل لبعض العارفين إنك محب فقال لست محباً إنما أنا محبوب والمحب متعوب

وقيل له أيضاً الناس يقولون إنك واحد من السبعة فقال أنا كل السبعة وكان يقول إذا رأيتموني فقد رأيتم أربعين بدلاً قيل وكيف وأنت شخص واحد قال لأني رأيت أربعين بدلاً وأخذت من كل بدل خلقاً من أخلاقه

وقيل له بلغنا أنك ترى الخضر عليه السلام فتبسم وقال ليس العجب ممن يرى الخضر ولكن العجب ممن يريد الخضر أن يراه فيحتجب عنه وحكي عن الخضر عليه السلام أنه قال ما حدثت نفسي يوماً قط أنه لم يبق ولي لله تعالى إلا عرفته

<<  <  ج: ص:  >  >>