قال أبو تراب النخشبى في علامات المحبة أبياتاً
لا تخدعن فللحبيب دلائل ... ولديه من تحف الحبيب وسائل
منها تنعمه بمر بلائه ... وسروره في كل ما هو فاعل
فالمنع منه عطية مقبولة ... والفقر إكرام وبر عاجل
ومن الدلائل أي ترى من عزمه ... طوع الحبيب وإن ألح العاذل
ومن الدلائل أن يرى متبسماً ... والقلب فيه من الحبيب بلابل
ومن الدلائل أن يرى متفهماً ... لكلام من يحظى لديه السائل
ومن الدلائل أن يرى متقشفاً ... متحفظاً من كل ما هو قائل
وقال يحيى بن معاذ
ومن الدلائل أن تراه مشمراً ... في خرقتين على شطوط الساحل
ومن الدلائل حزنه ونحيبه ... جوف الظلام فما له من عاذل
ومن الدلائل أن تراه مسافراً ... نحو الجهاد وكل فعل فاضل
ومن الدلائل زهده فيما يرى ... من دار ذل والنعيم الزائل
ومن الدلائل أن تراه باكياً ... أن قد رآه على قبيح فعائل
ومن االدلائل أن تراه مسلماً ... كل الأمور إلى المليك العادل
ومن الدلائل أن تراه راضياً ... بمليكه في كل حكم نازل
ومن الدلائل ضحكه بين الورى ... والقلب محزون كقلب الثاكل
[بيان معنى الأنس بالله تعالى]
قد ذكرنا أن الأنس والخوف والشوق من آثار المحبة إلا أن هذه آثار تختلف على المحب بحسب نظره وما يغلب عليه في وقته فإذا غلب عليه التطلع من وراء حجب الغيب إلا منتهى الجمال واستشعر قصوره عن الإطلاع على كنه الجلال انبعث القلب إلى الطلب وانزعج له وهاج إليه وتسمى هذه الحالة في الانزعاج شوقاً وهو بالإضافة إلى أمر غائب وإذا غلب عليه الفرح بالقرب ومشاهدة الحضور بما هو حاصل من الكشف وكان نظره مقصوراً على مطالعة الجمال الحاضر المكشوف غير ملتفت إلى ما لم يدركه بعد استبشر القلب بما يلاحظه فيسمى استبشاره أنساً وإن كان نظره إلى صفات العز والاستغناء وعدم المبالاة وخطر إمكان الزوال والبعد تألم القلب بهذا الاستشعار فيسمى تألمه خوفاً
وهذه الأحوال تابعة لهذه الملاحظات والملاحظات تابعة لأسباب تقتضيها لا يمكن حصرها فالأنس معناه استبشار القلب فرحه بمطالعة الجمال حتى إنه إذا غلب وتجرد عن ملاحظة ما غاب عنه وما يتطرق إليه من خطر الزوال عظم نعيمه ولذته ومن هنا نظر بعضهم حيث قيل له أنت مشتاق فقال لا إنما الشوق إلى غائب فإذا كان الغائب حاضراً فإلى من يشتاق وهذا كلام مستغرق بالفرح بما ناله غير ملتفت إلى ما بقي في الإمكان من مزايا الألطاف
ومن غلب عليه حال الأنس لم تكن شهوته إلا في الانفراد والخلوة كما حكي أن إبراهيم بن أدهم نزل من الجبل فقيل له من أين أقبلت فقال من الأنس بالله وذلك لأن الأنس بالله يلازمه التوحش من غير الله بل كل