فهذه كانت سيرة العلماء وعادتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقلة مبالاتهم بسطوة السلاطين لكونهم اتكلوا على فضل الله تعالى أن يحرسهم ورضوا بحكم الله تعالى أن يرزقهم الشهادة فلما أخلصوا لله النية أثر كلامهم في القلوب القاسية فلينها وأزال قساوتها
وأما الآن فقد قيدت الأطماع ألسن العلماء فسكتوا وإن تكلموا لم تساعد أقوالهم أحوالهم فلم ينجحوا ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا
ففساد الرعايا بفساد الملوك وفساد الملوك بفساد العلماء وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأراذل فكيف على الملوك والأكابر والله المستعان على كل حال
تم كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحمد الله وعونه وحسن توفيقه
[كتاب آداب المعيشة وأخلاق النبوة]
وهو الكتاب العاشر من ربع العادات الثاني من كتب إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق كل شيء فأحسن خلقه وترتيبه وأدب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم فأحسن تأديبه وزكى أوصافه وأخلاقه ثم اتخذه صفيه وحبيبه ووفق للاقتداء به من أراد تهذيبه وحرم عن التخلق بأخلاقه من أراد تخييبه وصلى الله على سيدنا محمد سيد المرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين وسلم كثيراً
أما بعد فإن آداب الظواهر عنوان آداب البواطن وحركات الجوارح ثمرات الخواطر والأعمال نتيجة الأخلاق والآداب رشح المعارف وسرائر القلوب هي مغارس الأفعال ومنابعها وأنوار السرائر هي التي تشرق على الظواهر فتزينها وتجليها وتبدل بالمحاسن مكارهها ومساويها
ومن لم يخشع قلبه لم تخشع جوارحه
ومن لم يكن صدره مشكاة الأنوار الإلهية لم يفض على ظاهره جمال الآداب النبوية ولقد كنت عزمت على أن أختم ربع العادات من هذا الكتاب بكتاب جامع لآداب المعيشة لئلا يشق على طالبها استخراجها من جميع هذه الكتب ثم رأيت كل كتاب من ربع العادات قد أتى على جملة من الآداب فاستثقلت تكريرها وإعادتها فإن طلب الإعادة ثقيل والنفوس مجبولة على معاداة المعادات فرأيت أن أقتصر في هذا الكتاب على ذكر آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلاقه المأثورة عنه بالإسناد فأسردها مجموعة فصلاً فصلاً محذوفة الأسانيد ليجتمع فيه مع جميع الآداب تجديد الإيمان وتأكيده بمشاهدة أخلاقه الكريمة التي شهد آحادها على القطع بأنه أكرم خلق الله تعالى وأعلاهم رتبة وأجلهم قدراً فكيف مجموعها ثم أضيف إلى ذكر أخلاقه ذكر خلقته ثم ذكر معجزاته التي صحت بها الأخبار ليكون ذلك معرباً عن مكارم الأخلاق والشيم ومنتزعاً عن آذان الجاحدين لنبوته صمام الصمم
والله تعالى ولي التوفيق للاقتداء بسيد المرسلين في الأخلاق والأحوال وسائر معالم الدين فإنه دليل المتحيرين ومجيب دعوة المضطرين
ولنذكر فيه أولاً بيان تأديب الله تعالى إياه بالقرآن ثم بيان جوامع من محاسن أخلاقه ثم بيان جملة من آدابه وأخلاقه ثم بيان كلامه وضحكه ثم بيان أخلاقه وآدابه في الطعام ثم بيان أخلاقه وآدابه في اللباس ثم بيان عفوه مع القدرة ثم بيان إغضائه عما كان يكره ثم بيان سخاوته وجوده ثم بيان شجاعته وبأسه ثم بيان تواضعه ثم بيان صورته وخلقته ثم بيان جوامع معجزاته وآياته صلى الله عليه وسلم