للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن كان من الأبرار وكان على سمت الكرام الكاتبين البررة الأخيار أن يكتب على الصبي سيئته وحسنته على صحيفة قلبه فيكتبه عليه بالحفظ ثم ينشره عليه بالتعريف ثم يعذبه عليه بالضرب فكل ولي هذا سمته في حق الصبي فقد ورث أخلاق الملائكة واستعملها في حق الصبي فينال بها درجة القرب من رب العالمين كما نالته الملائكة فيكون مع النبيين والمقربين والصديقين وإليه الإشارة بقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ كهاتين في الجنة (١) وأشار إلى إصبعيه الكريمتين صلى الله عليه وسلم

[بيان كون الصبر نصف الإيمان]

اعلم أن الإيمان تارة يختص في إطلاقه بالتصديقات بأصول الدين وتارة يختص بالأعمال الصالحة الصادرة منها وتارة يطلق عليهما جميعاً وللمعارف أبواب وللأعمال أبواب ولاشتمال لفظ الإيمان على جميعها كان الإيمان نيفاً وسبعين باباً واختلاف هذه الإطلاقات ذكرناه في كتاب قواعد العقائد من ربع العبادات ولكن الصبر نصف الإيمان باعتبارين وعلى مقتضى إطلاقين

أحدهما أن يطلق على التصديقات والأعمال جميعاً فيكون للإيمان ركنان أحدهما اليقين

والآخر الصبر والمراد باليقين المعارف القطعية الحاصلة بهداية الله تعالى عبده إلى أصول الدين والمراد بالصبر العمل بمقتضى اليقين إذ اليقين يعرفه أن المعصية ضارة والطاعة نافعة ولا يمكن ترك المعصية والمواظبة على الطاعة إلا بالصبر وهو استعمال باعث الدين في قهر باعث الهوى والكسل فيكون الصبر نصف الإيمان بهذا الاعتبار ولهذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فقال من أقل ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر الحديث إلى آخره

الاعتبار الثاني أن يطلق على الأحوال المثمرة للأعمال لا على المعارف وعند ذلك ينقسم جميع ما يلاقيه العبد إلى ما ينفعه في الدنيا والآخرة أو يضره فيهما وله بالإضافة إلى ما يضره حال الصبر وبالإضافة إلى ما ينفعه حال الشكر فيكون الشكر أحد شطري الإيمان بهذا الاعتبار كما أن اليقين أحد الشطرين بالاعتبار الأول وبهذا النظر قال ابن مسعود رضي الله عنه الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر وقد يرفع أيضاً إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ولما كان الصبر صبراً عن باعث الهوى بثبات باعث الدين وكان باعث الهوى قسمين باعث من جهة الشهوة وباعث من جهة الغضب فالشهوة لطلب اللذيذ والغضب للهرب من المؤلم وكان الصوم صبراً عن مقتضى الشهوة فقط وهي شهوة البطن والفرج دون مقتضى الغضب قال بهذا الاعتبار الصوم نصف الصبر لأن كمال الصبر بالصبر عن دواعي الشهوة ودواعي الغضب جميعاً فيكون الصوم بهذا الاعتبار ربع الإيمان فهكذا ينبغي أن تفهم تقديرات الشرع بحدود الأعمال والأحوال ونسبتها إلى الإيمان والأصل فيه أن تعرف كثرة أبواب الإيمان فإن اسم الإيمان يطلق على وجوه مختلفة

[بيان الأسامي التي تتجدد للصبر بالإضافة إلى ما عنه الصبر]

اعلم أن الصبر ضربان أحدهما ضرب بدني كتحمل المشاق بالبدن والثبات عليها وهو إما بالفعل كتعاطي


(١) حديث أنا وكافل اليتيم كهاتين أخرجه البخارى من حديث سهل بن سعد وتقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>