كتاب آداب النكاح وهو الكتاب الثاني من ربع العادات من كتاب إحياء
علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا تصادف سهام الأوهام في عجائب صنعه مجرى ولا ترجع العقول عن أوائل بدائعها إلا والهة حيرى ولا تزال لطائف نعمه على العالمين تترى فهي تتوالى عليهم اختياراً وقهراً
ومن بدائع ألطافه أن خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وسلط على الخلق شهوةً اضطرهم بها الحراثة جبرا واستبقى بهم نسلهم إقهاراً وقسراً
ثم عظم أمر الأنساب وجعل لها قدراً فحرم بسببها السفاح وبالغ في تقبيحه ردعاً وزجراً وجعل اقتحامه جريمةً فاحشةً وأمر إمراً وندب إلى النكاح وحث عليه استحباباً وأمراً فسبحان من كتب الموت على عباده فأذلهم به هدماً وكسراً ثم بث بذور النطف في أراضي الأرحام وأنشأ منها خلقاً وجعله لكسر الموت جبراً تنبيهاً على أن بحار المقادير فياضة على العالمين نفعاً وضراً وخيراً وشراً وعسراً ويسراً وطياً ونشراً والصلاة والسلام على محمد المبعوث بالإنذار والبشرى وعلى آله وأصحابه صلاةً لا يستطيع لها الحساب عداً ولا حصراً وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فإن النكاح معين على الدين ومهين للشياطين وحصن دون عدو الله حصين وسبب للتكثير الذي به مباهاة سيد المرسلين لسائر النبيين فما أحراه بأن تتحرى أسبابه وتحفظ سننه وآدابه وتشرح مقاصده وآرابه وتفصل فصوله وأبوابه
والقدر المهم من أحكامه ينكشف في ثلاثة أبواب
الباب الأول في الترغيب فيه وعنه
الباب الثاني في الآداب المرعية في العقد والعاقدين
الباب الثالث في آداب المعاشرة بعد العقد إلى الفراق
الباب الأول في الترغيب في النكاح والترغيب عنه
اعلم أن العلماء قد اختلفوا في فضل النكاح فبالغ بعضهم فيه حتى زعم أنه أفضل من التخلي لعبادة الله واعترف آخرون بفضله ولكن قدموا عليه التخلي لعبادة الله مهما لم تتق النفس إلى النكاح توقاناً يشوش الحال ويدعو إلى الوقاع
وقال آخرون الأفضل تركه في زماننا هذا وقد كان له فضيلة من قبل إذ لم تكن الأكساب محظورة وأخلاق النساء مذمومة
ولا ينكشف الحق فيه إلا بان نقدم أولاً ما ورد من الأخبار والآثار في الترغيب فيه والترغيب عنه ثم نشرح فوائد النكاح وغوائله حتى يتضح منها فضيلة النكاح وتركه في حق كل من سلم من غوائله أو لم يسلم منها الترغيب في النكاح
أما من الآيات فقد قال تعالى وانكحوا الأيامى منكم وَهَذَا أَمْرٌ وَقَالَ تَعَالَى فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ ينكحن أزواجهن وَهَذَا مَنْعٌ مِنَ الْعَضْلِ وَنَهْيٌ عَنْهُ
وَقَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الرُّسُلِ وَمَدْحِهِمْ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ وَإِظْهَارِ الْفَضْلِ
وَمَدَحَ أَوْلِيَاءَهُ بِسُؤَالِ ذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ فَقَالَ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذرياتنا قرة أعين الآية ويقال أن الله تعالى لم يذكر