للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس من الراجين في شيء وهكذا رجاء أكثر الخلق وهو غرور الحمقى نعوذ بالله من الغرور والغفلة فإن الاغترار بالله أعظم من الاغترار بالدنيا قال الله تَعَالَى {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بالله الغرور}

[القول في صفة جهنم وأهوالها وأنكالها]

يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ عَنْ نَفْسِهِ الْمَغْرُورُ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنْ شَوَاغِلِ هَذِهِ الدُّنْيَا الْمُشْرِفَةِ عَلَى الِانْقِضَاءِ وَالزَّوَالِ دَعِ التَّفَكُّرَ فِيمَا أَنْتَ مُرْتَحِلٌ عَنْهُ وَاصْرِفِ الْفِكْرَ إِلَى مَوْرِدِكَ فَإِنَّكَ أخبرت بأن النار مورد للجميع إذ قيل {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظالمين فيها جثياً} فَأَنْتَ مِنَ الْوُرُودِ عَلَى يَقِينٍ وَمِنَ النَّجَاةِ فِي شَكٍّ فَاسْتَشْعِرْ فِي قَلْبِكَ هَوْلَ ذَلِكَ الْمَوْرِدِ فَعَسَاكَ تَسْتَعِدُّ لِلنَّجَاةِ مِنْهُ وَتَأَمَّلْ فِي حَالِ الْخَلَائِقِ وَقَدْ قَاسَوْا مِنْ دَوَاهِي الْقِيَامَةِ مَا قَاسَوْا فَبَيْنَمَا هُمْ فِي كُرَبِهَا وَأَهْوَالِهَا وُقُوفًا يَنْتَظِرُونَ حَقِيقَةَ أَنْبَائِهَا وَتَشْفِيعَ شُفَعَائِهَا إِذْ أَحَاطَتْ بِالْمُجْرِمِينَ ظُلُمَاتٌ ذَاتُ شُعَبٍ وَأَظَلَّتْ عَلَيْهِمْ نار ذات لهب وسمعوا لها زفيراً وجرجرة تفصح عَنْ شِدَّةِ الْغَيْظِ وَالْغَضَبِ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَيْقَنَ الْمُجْرِمُونَ بِالْعَطَبِ وَجَثَتِ الْأُمَمُ عَلَى الرُّكَبِ حَتَّى أشفق البرءاء من سوء المنقلب وخرج المنادي من الزبانية قائلاً أين فلان بن فلان المسوف نفسه في الدنيا بطول الأمل المضيع عمره في سوء العمل فيبادرونه بمقامع حديد ويستقبلونه بعظائم التهديد ويسوقونه إِلَى الْعَذَابِ الشَّدِيدِ وَيُنَكِّسُونَهُ فِي قَعْرِ الْجَحِيمِ وَيَقُولُونَ لَهُ {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} فأسكنوا داراً ضيقة الأرجاء مظلمة المسالك مبهمة المهالك يخلد فيها الأسير ويوقد فيها السعير شرابهم فيها الحميم ومستقرهم الجحيم الزبانية تقمعهم والهاوية تجمعهم أمانيهم فيها الهلاك وما لهم منها فكاك قد شُدَّتْ أَقْدَامُهُمْ إِلَى النَّوَاصِي وَاسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ مِنْ ظُلْمَةِ الْمَعَاصِي يُنَادُونَ مِنْ أَكْنَافِهَا وَيَصِيحُونَ فِي نواحيها وأطرافها يا مالك قد حق علينا الوعيد يا مالك قد أثقلنا الحديد يَا مَالِكُ قَدْ نَضِجَتْ مِنَّا الْجُلُودُ يَا مَالِكُ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنَّا لَا نَعُودُ فَتَقُولُ الزَّبَانِيَةُ هَيْهَاتَ لَاتَ حِينَ أَمَانٍ وَلَا خُرُوجَ لَكُمْ مِنْ دَارِ الْهَوَانِ فَاخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ وَلَوْ أُخْرِجْتُمْ مِنْهَا لَكُنْتُمْ إِلَى مَا نُهِيتُمْ عَنْهُ تَعُودُونَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقْنَطُونَ وَعَلَى مَا فَرَّطُوا فِي جَنْبِ اللَّهِ يَتَأَسَّفُونَ وَلَا ينجيهم الندم ولا يغنيهم الأسف بل يكبون على وجوههم مغلولين النار من فوقهم والنار من تحتهم والنار عن أيمانهم والنار عن شمائلهم فهم غرقى في النار طعامهم نار وشرابهم نار ولباسهم نار ومهادهم نار فهم بين مقطعات النيران وسرابيل القطران وضرب المقامع وثقل السلاسل فهم يتجلجلون في مضايقها ويتحطمون في دركاتها ويضطربون بين غواشيها تغلى بهم النار كغلي القدور ويهتفون بالويل والعويل

ومهما دعوا بالثبور صب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود ولهم مقامع من حديد تهشم بها جباههم فيتفجر الصديد من أفواههم وننقطع من العطش أكبادهم وتسيل على الخدود أحداقهم ويسقط من الوجنات لحومها ويتمعط من الأطراف شعورها بل جلودها وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها قد عريت من اللحم عظامهم فبقيت الأرواح منوطة بالعروق وعلائق العصب وهي تنش في لفح تلك النيران وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ فَلَا يَمُوتُونَ فكيف بك لو نظرت إليهم وقد سوّدت وُجُوهُهُمْ أَشَدَّ سَوَادًا مِنَ الْحَمِيمِ وَأُعْمِيَتْ أَبْصَارُهُمْ وأبكمت ألسنتهم وقصمت ظهورهم وكسرت عظامهم وجدعت آذانهم ومزقت جلودهم وغلت أيديهم إلى أعناقهم وجمع بين نواصيهم وأقدامهم وهم يمشون على النار بوجوههم ويطأون حسك الحديد بأحداقهم فلهيب النار سار في بواطن أجزائها وَحَيَّاتُ الْهَاوِيَةِ وَعَقَارِبُهَا مُتَشَبِّثَةٌ بِظَوَاهِرِ أَعْضَائِهِمْ هَذَا بعض جملة أحوالهم وانظر الآن في تفصيل أهوالهم وتفكر أيضاً في أودية جهنم وشعابها فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>