وطول الأنس به ولو لم يكن للمطيع جزاء على عمله إلا ما يجده من حلاوة الطاعة وروح الأنس بمناجاة الله تعالى لكان ذلك كافياً فكيف بما ينضاف إليه من نعيم الآخرة نعم هذه اللذة لا تكون في ابتداء التوبة ولكنها بعد ما يصير عليها مدة مديدة وقد صار الخير ديدناً كما كان الشر ديدناً فالنفس قابلة ما عودتها تتعود والخير عادة والشر لجاجة
فإذن هذه الأفكار هي المهيجة للخوف المهيج لقؤة الصبر عن اللذات ومهيج هذه الأفكار وعظ الوعاظ وتنبيهات تقع للقلب بأسباب تتفق لا تدخل في الحصر فيصير الفكر موافقاً للطبع فيميل القلب إليه ويعبر عن السبب الذي أوقع الموافقة بين الطبع والفكر الذي هو سبب الخير بالتوفيق إذ التوفيق هو التأليف بين الإرادة وبين المعنى الذي هو طاعة نافعة في الآخرة وقد روي في حديث طويل أنه قام عمار بن ياسر فقال لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه يا أمير المؤمنين أخبرنا عن الكفر على ماذا بني فقال علي رضي الله عنه بني على أربع دعائم على الجفاء والعمى والغفلة والشك فمن جفا احتقر الحق وجهر بالباطل ومقت العلماء ومن عمي نسي الذكر ومن غفل حاد عن الرشد ومن شك غرته الأماني فأخذته الحسرة والندامة وبدا له من الله ما لم يكن يحتسب فما ذكرناه بيان لبعض آفات الغفلة عن التفكر وهذا القدر في التوبة كاف وإذا كان الصبر ركناً من أركان دوام التوبة فلا بد من بيان الصبر فنذكره في كتاب مفرد إن شاء الله تعالى
[كتاب الصبر والشكر]
وهو الكتاب الثاني من ربع المنجيات من كتاب إحياء
علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله أهل الحمد والثناء المنفرد برداء الكبرياء المتوحد بصفات المجد والعلاء المؤيد صفوة الأولياء بقوة الصبر على السراء والضراء والشكر على البلاء والنعماء والصلاة على محمد سيد الأنبياء وعلى أصحابه سادة الأصفياء وعلى آله قادة البررة الأتقياء صلاة محروسة بالدوام عن الفناء ومصونة بالتعاقب عن التصرم والانقضاء
أما بعد فإن الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر (١) كما وردت به الآثار وشهدت له الأخبار وهما أيضاً وصفان من أوصاف الله تعالى واسمان من أسمائه الحسنى إذ سمى نفسه صبوراً وشكوراً فالجهل بحقيقة الصبر والشكر جهل بكلا شطري الإيمان ثم هو غفلة عن وصفين من أوصاف الرحمن ولا سبيل إلى الوصول إلى القرب من الله تعالى إلا بالإيمان وكيف يتصور سلوك سبيل الإيمان دون معرفة ما به الإيمان ومن به الإيمان والتقاعد عن معرفة الصبر والشكر تقاعد عن معرفة من به الإيمان وعن إدراك ما به الإيمان فما أحوج كلا الشطرين إلى الإيضاح والبيان ونحن نوضح كلا الشطرين في كتاب واحد لارتباط أحدهما بالآخر إن شاء الله تعالى
[الشطر الأول في الصبر]
وفيه بيان فضيلة الصبر وبيان حده وحقيقته وبيان كونه نصف الإيمان وبيان اختلاف
(١) حديث الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر أخرجه أبو منصور الديلمى فى مسند الفردوس من رواية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد ضعيف