فعساها تشكر وقد كان الربيع بن خيثم مع تمام استبصاره يستعين بهذه الطريق تأكيد اللمعرفة فكان قد حفر في داره قبراً فكان يضع غلا في عنقه وينام في لحده ثم يقول رب أرجعون لعلي أعمل صالحاً ثم يقوم ويقول يا ربيع قد أعطيت ما سألت فاعمل قبل أن تسأل الرجوع فلا ترد
ومما ينبغي أن تعالج به القلوب البعيدة عن الشكر أن تعرف أن النعمة إذا لم تشكر زالت ولم تعد ولذلك كان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول عليكم بملازمة الشكر على النعم فقل نعمة زالت عن القوم فعاذت إليهم وقال بعض السلف النعم وحشية فقيدوها بالشكر وفي الخبر ما عظمت نعمة الله تعالى على عبد إلا كثرت حوائج الناس إليه فمن تهاون بهم عرض تلك النعمة للزوال (١) وقال الله سبحانه وتعالى إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فهذا تمام هذا الركن
الركن الثالث من كتاب الصبر والشكر
فيما يشترك فيه الصبر والشكر ويرتبط أحدهما بالآخر
بيان وجه اجتماع الصبر والشكر على شيء واحد
لعلك تقول ما ذكرته في النعم إشارة إلى إن لله تعالى في كل موجود نعمة وهذا يشير إلى أن البلاء لا وجود له أصلاً فما معنى الصبر إذن وإن كان البلاء موجوداً فما معنى الشكر على البلاء وقد ادعى مدعون أنا نشكر على البلاء فضلاً عن الشكر على النعمة فكيف يتصور الشكر على البلاء وكيف يشكر على ما يصبر عليه والصبر على البلاء يستدعي ألماً والشكر يستدعي فرحاً وهما يتضادان وما معنى ما ذكرتموه من أن لله تعالى في كل ما أوجده نعمة على عباده فاعلم أن البلاء موجود كما أن النعمة موجودة والقول بإثبات النعمة يوجب القول بإثبات البلاء لأنهما متضادان ففقد البلاء نعمة وفقد النعمة بلاء ولكن قد سبق أن النعمة تنقسم إلى نعمة مطلقة من كل وجه أما في الآخرة فكسعادة العبد بالنزول في جوار الله تعالى وأما في الدنيا فكالإيمان وحسن الخلق وما يعين عليهما وإلى نعمة مقيدة من وجه دون وجه كالمال الذي يصلح الدين من وجه ويفسده من وجه فكذلك البلاء ينقسم إلى مطلق ومقيد أما المطلق في الآخرة فالبعد من الله تعالى إما مدة وإما أبداً
وأما في الدنيا فالكفر والمعصية وسوء الخلق وهي التي تفضي إلى البلاء المطلق
وأما المقيد فكالفقر والمرض والخوف وسائر أنواع البلاء التي لا تكون بلاء في الدين بل في الدنيا فالشكر المطلق للنعمة المطلقة وأما البلاء المطلق في الدنيا فقد لا يؤمر بالصبر عليه لأن الكفر بلاء ولا معنى للصبر عليه وكذا المعصية بل حق الكافر أن يترك كفره وكذا حق العاصي نعم الكافر قد لا يعرف أنه كافر فيكون كمن به علة وهو لا يتألم بسبب غشية أو غيرها فلا صبر عليها والعاصي يعرف أنه عاصٍ فعليه ترك المعصية بل كل بلاء يقدر الإنسان على دفعه فلا يؤمر بالصبر عليه فلو ترك الإنسان الماء مع طول العطش حتى عظم تألمه فلا يؤمر بالصبر عليه بل يؤمر بإزالة الألم وإنما الصبر على ألم ليس إلى العبد إزالته فإذن يرجع الصبر في الدنيا إلى ما ليس ببلاء مطلق بل يجوز أن يكون نعمة من وجه فلذلك يتصور أن يجتمع عليه وظيفة الصبر والشكر فإن الغنى مثلاً يجوز أن يكون
(١) حديث ما عظمت نعمة الله على عبد إلا كثرت حوائج الناس إليه الحديث أخرجه ابن عدى وابن حبان فى الضعفاء من حديث معاذ بن جبل بلفظ إلا عظمت مؤنة الناس عليه فمن لم يحتمل تلك المونة الحديث ورواه ابن حبان فى الضعفاء من حديث ابن عباس وقال أنه موضوع على حجاج الأعور