كان محركه هو الحق حرصاً على دعوة عباد الله تعالى إلى صراطه المستقيم فيعظم به فرحه ويقول الحمد لله الذي عضدني وأيدني بمن وازرني على إصلاح عباده كالذي وجب عليه مثلاً أن يحمل ميتاً ليدفنه إذ وجده ضائعاً وتعين عليه ذلك شرعاً فجاء من أعانه عليه فإنه يفرح به ولا يحسد من يعينه والغافلون موتى القلوب والوعاظ هم المنبهون والمحيون لهم ففي كثرتهم استرواح وتناصر فينبغي أن يعظم الفرح بذلك وهذا عزيز على الوجود جداً فينبغي أن يكون المريد على حذر منه فإنه أعظم حبائل الشيطان في قطع الطريق على من انفتحت له أوائل الطريق فإن إيثار الحياة الدنيا طبع غالب على الإنسان ولذلك قال الله تعالى {بل تؤثرون الحياة الدنيا} ثم بين أن الشر قديم في الطباع وأن ذلك مذكور في الكتب السالفة فقال {إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى} فهذا منهاج رياضة المريد وتربيته في التدريج إلى لقاء الله تعالى فأما تفصيل الرياضة في كل صفة فسيأتي فإن أغلب الصفات على الإنسان بطنه وفرجه ولسانه أعني به الشهوات المتعلقة بها ثم الغضب الذي هو كالجند لحماية الشهوات ثم مهما أحب الإنسان شهوة البطن والفرج وأنس بهما أحب الدنيا ولم يتمكن منها إلا بالمال والجاه وإذا طلب المال والجاه حدث فيه الكبر والعجب والرياسة وإذا ظهر ذلك لم تسمح نفسه بترك الدنيا رأساً وتمسك من الدين بما فيه الرياسة وغلب عليه الغرور
فلهذا وجب علينا بعد تقديم هذين الكتابين أن نستكمل ربع المهلكات بثمانية كتب إن شاء الله تعالى كتاب في كسر شهوة البطن والفرج وكتاب في آفات اللسان وكتاب في كسر الغضب والحقد والحسد وكتاب في ذم الدنيا وتفصيل خدعها وكتاب في كسر حب المال وذم البخل وكتاب في ذم الرياء وحب الجاه وكتاب في ذم الكبر والعجب وكتاب في مواقع الغرور وبذكر هذه المهلكات وتعليم طرق المعالجة فيها يتم غرضنا من ربع المهلكات إن شاء الله تعالى فإن ما ذكرناه في الكتاب الأول هو شرح لصفات القلب الذي هو معدن المهلكات والمنجيات وما ذكرناه في الكتاب الثاني هو إشارة كلية إلى طريق تهذيب الأخلاق ومعالجة أمراض القلوب أما تفصيلها فإنه يأتي في هذه الكتب إن شاء الله تعالى تم كتاب رياضة النفس وتهذيب الأخلاق بحمد الله وعونه وحسن توفيقه يتلوه إن شاء الله تعالى كتاب كسر الشهوتين والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وعلى كل عبد مصطفى من أهل الأرض والسماء وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
كتاب كسر الشهوتين وهو الكتاب الثالث من ربع المهلكات بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله المنفرد بالجلال في كبريائه وتعاليه المستحق للتحميد والتقديس والتسبيح والتنزيه القائم بالعدل فيما يبرمه ويقضيه المتطول بالفضل فيما ينعم به ويسديه المتكفل بحفظ عبده في جميع موارده ومجاريه المنعم عليه بما يزيد على مهمات مقاصده بل بما يفي بأمانيه فهو الذي يرشده ويهديه وهو الذي يميته ويحييه وإذا مرض فهو يشفيه وإذا ضعف فهو يقويه وهو الذي يوفقه للطاعة ويرتضيه وهو الذي يطعمه ويسقيه ويحفظه من الهلاك ويحميه ويحرسه بالطعام والشراب عما يهلكه ويرديه ويمكنه من القناعة بقليل القوت ويقربه حتى تضيق به مجاري الشيطان الذي يناويه ويكسر به شهوة النفس التي تعاديه فيدفع شرها ثم يعبد ربه ويتقيه هذا