وهو الكتاب الخامس من ربع المهلكات من كتاب إحياء علوم الدين
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي له يتكل على عفوه ورحمته إلا الراجون ولا يحذر سوء غضبه وسطوته إلا الخائفون الذي استدرج عباده من حديث لا يعلمون وسلط عليهم الشهوات وأمرهم بترك ما يشتهون وابتلاهم بالغضب وكلفهم كظم الغيظ فيما يغضبون ثم حفهم بالمكاره واللذات وأملى لهم لينظر كيف يعملون وامتحن بهم حبهم ليعلم صدقهم فيما يدعون وعرفهم أنه لا يخفى عليه شيء مما يسرون وما يعلنون وحذرهم أن يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون فقال {ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون} والصلاة والسلام على محمد رسوله الذي يسير تحت لوائه النبيون وعلى آله وأصحابه الأئمة المهديين والسادة المرضيين صلاة يوازي عددها عدد ما كان من خلق الله وما سيكون ويحظى ببركتها الأولون والآخرون وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فإن الْغَضَبَ شُعْلَةُ نَارٍ اقْتُبِسَتْ مِنْ نَارِ اللَّهِ الموقدة التي تطلع على الْأَفْئِدَةَ وَإِنَّهَا لَمُسْتَكِنَّةٌ فِي طَيِّ الْفُؤَادِ اسْتِكْنَانَ الجمر تحت الرماد ويستخرجه الْكِبْرُ الدَّفِينُ فِي قَلْبِ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ كَاسْتِخْرَاجِ الْحَجَرِ النَّارَ مِنَ الْحَدِيدِ وَقَدِ انْكَشَفَ لِلنَّاظِرِينَ بِنُورِ الْيَقِينِ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَنْزِعُ مِنْهُ عِرْقٌ إِلَى الشَّيْطَانِ اللَّعِينِ فَمَنِ اسْتَفَزَّتْهُ نَارُ الْغَضَبِ فَقَدْ قَوِيَتْ فِيهِ قَرَابَةُ الشَّيْطَانِ حَيْثُ قَالَ {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} فَإِنَّ شَأْنَ الطِّينِ السُّكُونُ وَالْوَقَارُ وَشَأْنَ النَّارِ التَّلَظِّي وَالِاسْتِعَارُ وَالْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ وَمِنْ نَتَائِجِ الْغَضَبِ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَبِهِمَا هَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَفَسَدَ مَنْ فَسَدَ وَمُفِيضُهُمَا مُضْغَةٌ إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ معها سائر الْجَسَدُ وَإِذَا كَانَ الْحِقْدُ وَالْحَسَدُ وَالْغَضَبُ مِمَّا يَسُوقُ الْعَبْدَ إِلَى مُوَاطِنِ الْعَطَبِ فَمَا أَحْوَجَهُ إلى معرفة معاطبه ومساويه لِيَحْذَرَ ذَلِكَ وَيَتَّقِيَهُ وَيُمِيطَهُ عَنِ الْقَلْبِ إِنْ كان وينفيه ويعالجه إن رسخ في قلبه ويداويه فإن من لا يعرف الشر يقع فيه ومن عرفه فالمعرفة لا تكفيه ما لم يعرف الطريق الذي به يدفع الشر ويقصيه
ونحن نذكر ذم الغضب وآفات الحقد والحسد في هذا الكتاب ويجمعها
بيان ذم الغضب
ثم بيان حقيقة الغضب ثم بيان أن الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا ثم بيان الأسباب المهيجة للغضب ثم بيان علاج الغضب بعد هيجانه ثم بيان فضيلة كظم الغيظ ثم بيان فضيلة الحلم ثم بيان القدر الذي يجوز الانتصار والتشفي به من الكلام ثم القول في معنى الحقد ونتائجه وفضيلة العفو والرفق ثم القول في ذم الحسد وفي حقيقته وأسبابه ومعالجته وغاية الواجب في إزالته ثم بيان السبب في كثرة الحسد بين الأمثال والأقران والأخوة وبني العم والأقارب وتأكده وقلته في غيرهم وضعفه ثم بيان الدواء الذي به ينفى مرض الحسد عن القلب ثم بيان القدر الواجب في نفي الحسد عن القلب وبالله التوفيق بَيَانُ ذَمِّ الْغَضَبِ