فيقضيها لفقره وقرابته وعلم أنه لولا فقره لكان يقضيها بمجرد القرابة وأنه لولا قرابته لكان يقضيها بمجرد القرابة وأنه لولا قرابته لكان يقضيها بمجرد الفقر وعلم ذلك من نفسه بأنه يحضره قريب غني فيرغب في قضاء حاجته وفقير أجنبي فيرغب أيضاً فيه
وكذلك من أمره الطبيب بترك الطعام ودخل عليه يوم عرفة فصام وهو يعلم أنه لو لم يكن يوم عرفة لكان يترك الطعام حمية ولولا الحمية لكان يتركه لأجل أنه يوم عرفة وقد اجتمعا جميعاً فأقدم على الفعل وكان الباعث الثاني رفيق الأول
فلنسم هذا مرافقة للبواعث والثالث أن لا يستقل كل واحد لو انفرد ولكل قوى مجموعهما على إنهاض القدرة
ومثاله في المحسوس أن يتعاون ضعيفان على حمل مالا ينفرد أحدهما به
ومثاله في غرضنا أن يقصده قريبه الغني فيطلب درهماً فلا يعطيه ويقصده الأجنبي الفقير فيطلب درهماً فلا يعطيه ثم يقصده القريب الفقير فيعطيه فيكون انبعاث داعيته المجموع الباعثين وهو القرابة والفقر
وكذلك الرجل يتصدق بين يدي الناس لغرض الثواب ولغرض الثناء ويكون بحيث لو كان منفرداً لكان لا يبعثه مجرد قصد الثواب على العطاء ولو كان الطالب فاسقاً لا ثواب في التصدق عليه لكان لا يبعثه مجرد الرياء على العطاء ولو اجتمعا أورثا بمجموعهما تحريك القلب
ولنسم هذا الجنس مشاركة والرابع أن يكون أحد الباعثين مستقلاً لو انفرد بنفسه والثاني لا يستقل
ولكن لما انضاف إليه لم ينفك عن تأثير بالإعانة والتسهيل
ومثاله في المحسوس أن يعاون الضعيف الرجل القوي على الحمل ولو انفرد القوي لاستقل ولو انفرد الضعيف لم يستقل فإن ذلك بالجملة يسهل العمل ويؤثر في تخفيفه
ومثاله في غرضنا أن يكون للإنسان ورد في الصلاة وعادة في الصدقات فاتفق أن حضر في وقتها جماعة من الناس فصار الفعل أخف علة بسبب مشاهدتهم وعلم من نفسه أنه لو كان منفرداً خالياً لم يفتر عن عمله وعلم أن عمله لو لم يكن طاعة لم يكن مجرد الرياء يحمله عليه فهو شوب تطرق إلى النية
ولنسم هذا الجنس المعاونة
فالباعث الثانى إما أن يكون رفيقاً أو شريكاً أو معيناً
وسنذكر حكمها في باب الإخلاص
والغرض الآن بيان أقسام النيات فإن العمل تابع للباعث عليه فيكتسب الحكم منه
ولذلك قيل إنما الأعمال بالنيات لأنها تابعة لا حكم لها في نفسها وإنما الحكم للمتبوع
بيان سر قوله صلى الله عليه وسلم نية المؤمن خير من عمله (١)
اعلم أنه قد يظن أن سبب هذا الترجيح أن النية سر لا يطلع عليه إلا الله تعالى والعمل ظاهر ولعمل السر فضل
وهذا صحيح ولكن ليس هو المراد لأنه لو نوى أن يذكر الله بقلبه أو يتفكر في مصالح المسلمين فيقتضي عموم الحديث أن تكون نية التفكر خيراً من التفكر وقد يظن أن سبب الترجيح أن النية تدوم إلى آخر العمل والأعمال لا تدوم وهو ضعيف لأن ذلك يرجع معناه إلى أن العمل الكثير خير من القليل بل ليس كذلك فإن نية أعمال الصلاة قد لا تدوم إلا في لحظات معدودة والأعمال تدوم والعموم يقتضي أن تكون نيته خيراً من عمله
وقد يقال إن معناه أن النية بمجردها خير من العمل بمجرده دون النية وهو كذلك ولكنه بعيد أن يكون هو المراد إذ العمل بلا نية أو على الغفلة لا خير فيه أصلاً والنية بمجردها خير وظاهر الترجيح للمشتركين في أصل الخير بل المعنى أن كل طاعة تنتظم بنية وعمل وكانت النية من جملة الخيرات وكان العمل من جملة الخيرات ولكن النية من جملة الطاعة خير من العمل أي لكل واحد منهما أثر في المقصود وأثر النية أكثر من أثر العمل
(١) حديث نية المؤمن خير من عمله أخرجه الطبرانى من حديث سهل بن سعد ومن حديث النواس بن سمعان وكلاهما ضعيف