والورع وصدق المعرفة لأهل الولاية الذين هم أوتاد الأرض وكل هذا يدور على ما ذكرناه في الصدق السادس ولكنه ذكر أقسام ما فيه الصدق وهو أيضاً غير محيط بجميع الأقسام وقال جعفر الصادق الصدق هو المجاهدة وأن لا تختار على الله غيره كما لم يختر عليك غيرك فقال تعالى {هو اجتباكم} وقيل أوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام إني إذا أحببت عبداً ابتليته ببلايا لا تقوم لها الجبال لأنظر كيف صدقه فإن وجدته صابراً اتخذته ولياً وحبيباً وإن وجدته جزوعاً يشكوني إلى خلقي خذلته ولا أبالي
فإذن من علامات الصدق كتمان المصائب والطاعات جميعاً وكراهة إطلاع الخلق عليها
تم كتاب الصدق والإخلاص يتلوه كتاب المراقبة والمحاسبة والحمد لله
كتاب المراقبة والمحاسبة وهو الكتاب الثامن من ربع المنجيات من كتاب
إحياء علوم الدين بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائم على كل نفس بما كسبت الرقيب على كل جارحة بما اجترحت المطلع على ضمائر القلوب إذا هجست الحسيب على خواطر عباده إذا اختلجت الذي لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السموات والأرض تحركت أو سكنت المحاسب على النقير والقطمير والقليل والكثير من الأعمال وإن خفيت المتفضل بقبول طاعات العباد وإن صغرت المتطول بالعفو عن من معاصيهم وإن كثرت وإنما يحاسبهم لتعلم كل نفس ما أحضرت وتنظر فيما قدمت وأخرت فتعلم أنه لولا لزومها للمراقبة والمحاسبة في الدنيا لشفيت في صعيد القيامة وهلكت وبعد المجاهدة والمحاسبة والمراقبة لولا فضله بقبول بضاعتها المزجاة لخابت وخسرت فسبحان من عمت نعمته كافة العباد وشملت واستغرقت رحمته الخلائق في الدنيا والآخرة وغمرت فبنفحات فضله اتسعت القلوب للإيمان وانشرحت وبيمن توفيقه تقيدت الجوارح بالعبادات وتأدبت وبحسن هدايته انجلت عن القلوب ظلمات الجهل وانقشعت وبتأييده ونصرته انقطعت مكايد الشيطان واندفعت وبلطف عنايته تترجح كفة الحسنات إذا ثقلت وبتيسيره تيسرت من الطاعات ما تيسرت فمنه العطاء والجزاء والإبعاد والإدناء والإسعاد والإشقاء والصلاة والسلام على محمد سيد الأنبياء وعلى آله سادة الأصفياء وعلى أصحابه قادة الأتقياء
أما بعد فقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بنا حاسبين} وَقَالَ تَعَالَى {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ ربك أحداً} وَقَالَ تَعَالَى {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كل شيء شهيد} وَقَالَ تَعَالَى {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} وَقَالَ تَعَالَى {ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كسبت وهم لا يظلمون} وَقَالَ تَعَالَى {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بعيداً ويحذركم الله نفسه} وَقَالَ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا في أنفسكم فاحذروه} فعرف أرباب البصائر من جملة العباد أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَهُمْ بِالْمِرْصَادِ وَأَنَّهُمْ سَيُنَاقَشُونَ