للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لسنة فسؤاله حرام فإن ذلك غاية الغنى وعليه ينزل التقدير بخمسين درهماً في الحديث فإن خمسة دنانير تكفي المنفرد في السنة إذا اقتصد أما المعيل فربما لا يكفيه ذلك وإن كان يحتاج إليه قبل السنة فإن كان قادراً على السؤال ولا تفوته فرصته فلا يحل له السؤال لأنه مستغن في الحال وربما لا يعيش إلى الغد فيكون قد سأل مالا يحتاج فيكفيه غداء يوم وعشاء ليلة وعليه ينزل الخبر الذي ورد في التقدير بهذا القدر

وإن كان يفوته فرصة السؤال ولا يجد من يعطيه لو أخر فيباح له السؤال لأن أمل البقاء سنة غير بعيد فهو بتأخير السؤال خائف أن يبقى مضطراً عاجزاً عما يعينه فإن كان خوف العجز عن السؤال في المستقبل ضعيفاً وكان ما لأجله السؤال خارجاً عن محل الضرورة لم يخل سؤاله عن كراهية وتكون كراهته بحسب درجات ضعف الاضطرار وخوف الفوت وتراخي المدة التي فيها يحتاج إلى السؤال وكل ذلك لا يقبل الضبط وهو مَنُوطٌ بِاجْتِهَادِ الْعَبْدِ وَنَظَرِهِ لِنَفْسِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَسْتَفْتِي فِيهِ قَلْبَهُ وَيَعْمَلُ بِهِ إن سالكاً طريق الآخرة وكل من كان يقينه أقوى وثقته بمجيء الرزق في المستقبل أتم وقناعته بقوت الوقت أظهر فدرجته عند الله تعالى أعلى فلا يكون خوف الاستقبال وقد آتاك الله قوت يومك لك ولعيالك إلا من ضعف اليقين والإصغاء إلى تخويف الشيطان وقد قال تعالى فلا تخافوهم وخافونِ إن كنتم مؤمنين وقال عز وجل الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والسؤال من الفحشاء التي أبيحت بالضرورة وحال من يسأل لحاجة متراخية عن يومه وإن كان مما يحتاج إليه في السنة أشد من حال من ملك مالاً موروثاً وادخره لحاجة وراء السنة وكلاهما مباحان في الفتوى الظاهرة ولكنهما صادران عن حب الدنيا وطول الأمل وعدم الثقة بفضل الله وهذه الخصلة من أمهات المهلكات نسأل الله حسن التوفيق بلطفه وكرمه

[بيان أحوال السائلين]

كان بشر رحمه الله يقول الفقراء ثلاثة فقير لا

يسأل وإن أعطي لا يأخذ فهذا مع الروحانيين في عليين

وفقير لا يسأل وإن أعطي أخذ فهذا مع المقربين في جنات الفردوس

وفقير يسأل عند الحاجة فهذا مع الصادقين من أصحاب اليمين

فإذن قد اتفق كلهم على ذم السؤال وعلى أنه مع الفاقة يحط المرتبة والدرجة

قال شقيق البلخي لإبراهيم بن أدهم حين قدم عليه من خراسان كيف تركت الفقراء من أصحابك قال تركتهم إن أعطوا شكروا وإن منعوا صبروا وظن أنه لما وصفهم بترك السؤال قد أثنى عليهم غاية الثناء فقال شقيق هكذا تركت كلاب بلخ عندنا فقال له إبراهيم فكيف الفقراء عندك يا أبا إسحاق فقال الفقراء عندنا إن منعوا شكروا وإن أعطوا آثروا فقبل رأسه وقال صدقت يا أستاذ

فإذن درجات أرباب الأحوال في الرضا والصبر والشكر والسؤال كثيرة فلا بد لسالك طريق الآخرة من معرفتها ومعرفة انقسامها واختلاف درجاتها فإنه إذا لم يعلم لم يقدر على الرقي من حضيضها إلى قلاعها ومن أسفل سافلين إلى أعلى أعليين وقد خلق الإنسان في أحسن تقويم ثم رد إلى أسفل سافلين ثم أمر أن يترقى إلى أعلى عليين ومن لا يميز بين السفل والعلو لا يقدر على الرقي قطعاً وإنما الشك فيمن عرف ذلك فإنه ربما لا يقدر عليه وأرباب الأحوال قد تغلبهم حالة تقتضي أن يكون السؤال مزيداً لهم في درجاتهم ولكن بالإضافة إلى حالهم فإن مثل هذه الأعمال بالنيات وذلك كما روي أن بعضهم رأى أبا إسحاق النوري رحمه الله يمد يده ويسأل الناس في بعض المواضع قال فاستعظمت ذلك واستقبحته له فأتيت الجنيد رحمه الله فأخبرته بذلك فقال لا يعظم هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>