للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيآتهم ثم صكوا له صكاً إلى النار (١) وَبِالْجُمْلَةِ فَإِيَّاكَ ثُمَّ إِيَّاكَ أَنْ تَسْتَحْقِرَ شَيْئًا مِنْ حَرَكَاتِكَ فَلَا تَحْتَرِزْ مِنْ غُرُورِهَا وَشُرُورِهَا وَلَا تُعِدَّ جَوَابَهَا يَوْمَ السُّؤَالِ وَالْحِسَابِ فَإِنَّ الله تعالى مُطَّلِعٌ عَلَيْكَ وَشَهِيدٌ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لديه رقيب عتيد وقال بعض السلف كتبت كتاباً وأردت أن أتربه من حائط جار لي فتحرجت ثم قلت تراب وما تراب فتربته فهتف بي هاتف سيعلم من استخف بتراب جاره ما يلقى غداً من سوء الحساب

وصلى رجل مع الثوري فرآه مقلوب الثوب فعرفه فمد يده ليصلحه ثم قبضها فلم يسوه فسأله عن ذلك فقال إني لبسته لله تعالى ولا أريد أن أسويه لغير الله

وَقَدْ قَالَ الحسن إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ اللَّهُ فَيَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ بَلَى أَنْتَ أَخَذْتَ لَبِنَةً مِنْ حَائِطِي وَأَخَذْتَ خَيْطًا مِنْ ثَوْبِي

فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنَ الْأَخْبَارِ قَطَّعَ قُلُوبَ الْخَائِفِينَ فَإِنْ كُنْتَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ وَالنُّهَى وَلَمْ تَكُنْ مِنَ الْمُغْتَرِّينَ فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ الْآنَ وَدَقِّقِ الْحِسَابَ عَلَى نَفْسِكَ قَبْلَ أَنْ يُدَقَّقَ عَلَيْكَ وراقب أحوالك ولا تسكن ولا تتحرك ما لم تتأمل أولاً أنك لم تتحرك وماذا تقصد وما الذي تنال به من الدنيا وما الذي يفوتك من الآخرة وبماذا ترجح الدنيا على الآخرة فإذا علمت أنه لا باعث إلا الدين فأمض عزمك وما خطر ببالك وإلا فأمسك ثم راقب أيضاً قلبك في إمساكك وامتناعك فإن ترك الفعل فعل ولا بد له من نية صحيحة فلا ينبغي أن يكون الداعي هوى خفي لا يطلع عليه ولا يغرنك ظواهر الأمور ومشهورات الخيرات وافطن للأغوار والأسرار تخرج من حيز أهل الاغترار

فقد روي عن زكريا عليه السلام أنه كان يعمل في حائط بالطين وكان أجيراً لقوم فقدموا له رغيفا إذ كان لا يأكل إلا من كسب يده فدخل عليه قوم فلم يدعهم إلى الطعام حتى فرغ فتعجبوا منه لما علموا من سخائه وزهده وظنوا أن الخير في طلب المساعدة في الطعام فقال إني أعمل لقوم بالأجرة وقدموا إلي الرغيف لأتقوى به على عملهم فلو أكلتم معي لم يكفكم ولم يكفني وضعفت عن عملهم فالبصير هكذا ينظر في البواطن بنور الله فإن ضعفه عن العمل نقص في فرض وترك الدعوة إلى الطعام نقص في فضل ولا حكم للفضائل مع الفرائض وقال بعضهم دخلت على سفيان وهو يأكل فما كلمني حتى لعق أصابعه ثم قال لولا أني أخذته بدين لأحببت أن تأكل منه

وقال سفيان من دعا رجلاً إلى طعامه وليس له رغبة أن يأكل منه فإن أجابه فأكل فعليه وزران وإن لم يأكل فعليه وزر واحد وأراد بأحد الوزرين النفاق وبالثاني تعريضه أخاه لما يكره لو علمه

فهكذا ينبغي أن يتفقد العبد نيته في سائر الأعمال فلا يقدم ولا يحجم إلا بنية فإن لم تحضره النية توقف فإن النية لا تدخل تحت الاختيار

[بيان أن النية غير داخلة تحت الاختيار]

اعلم أن الجاهل يسمع ما ذكرناه من الوصية بتحسين النية وتكثيرها مع قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فيقول في نفسه عند تدريسه أو تجارته أو أكله نويت أن أدرس لله أو آكل لله

ويظن ذلك نية وهيهات فذلك حديث نفس وحديث لسان وفكر أو انتقال من خاطر إلى خاطر والنية بمعزل من جميع ذلك وإنما النية انبعاث النفس وتوجهها وميلها إلى ما ظهر لها أن فيه غرضها إما عاجلاً وإما آجلاً

والميل إذا لم يكن لا يمكن اختراعه واكتسابه بمجرد الإرادة بل ذلك كقول الشبعان نويت أن أشتهي الطعام وأميل إليه أو قول الفارغ نويت أن أعشق فلاناً وأحبه وأعظمه بقلبي فذلك محال

بل لا طريق إلى اكتساب


(١) حديث ان العبد ليوافى القيامة بحسنات أمثال الجبال وفيه ويأتى قد ظلم هذا وشتم هذا الحديث تقدم مع اختلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>