بحيث يستوي السر والعلانية وذلك هو الكبريت الأحمر الذي يتحدث به ولا يرى نسأل الله الكريم حسن العون والتوفيق
بيان الأفضل من أخذ الصدقة أو الزكاة
كان إبراهيم الخواص والجنيد وجماعة يرون أن الأخذ من الصدقة أفضل فإن في أخذ الزكاة مزاحمة للمساكين وتضييقاً عليهم ولأنه ربما لا يكمل في أخذه صفة الاستحقاق كما وصف في الكتاب العزيز وأما الصدقة فالأمر فيها أوسع وقال قائلون بأخذ الزكاة دون الصدقة لأنها إعانة على الواجب ولو ترك المساكين كلهم أخذ الزكاة لأثموا ولأن الزكاة لامنه فيها وإنما هو حق واجب لله سبحانه رزقاً لعباده المحتاجين ولأنه أخذ بالحاجة والإنسان يعلم حاجة نفسه قطعاً وأخذ الصدقة أخذ بالدين فإن الغالب أن المتصدق يعطي من يعتقد فيه خيراً ولأن مرافقة المساكين أدخل في الذل والمسكنة وأبعد من التكبر إذ قد يأخذ الإنسان الصدقة في معرض الهدية فلا تتميز عنه وهذا تنصيص على ذل الآخذ وحاجته
والقول الحق في هذا يختلف بأحوال الشخص وما يغلب عليه وما يحضره من النية فإن كان في شبهة من اتصافه بصفة الاستحقاق فلا ينبغي أن يأخذ الزكاة فإذا علم أنه مستحق قطعاً إذا حصل عليه دين صرفه إلى خير وليس له وجه في قضائه فهو مستحق قطعا فإذا خير هذا بين الزكاة وبين الصدقة فإذا كان صاحب الصدقة لا يتصدق بذلك المال لو لم يأخذه هو فليأخذ الصدقة فإن الزكاة الواجبة يصرفها صاحبها إلى مستحقها ففي ذلك تكثير للخير وتوسيع على المساكين
وإن كان المال معرضاً للصدقة ولم يكن في أخذ الزكاة تضييق على المساكين فهو مخير والأمر فيهما يتفاوت وأخذ الزكاة أشد في كسر النفس وإذلالها في أغلب الأحوال والله أعلم
كمل كتاب أسرار الزكاة بحمد الله وعونه وحسن توفيقه ويتلوه إن شاء الله تعالى كتاب أسرار الصوم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى الملائكة والمقربين من أهل السموات والأرضين وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين والحمد لله وحده وحسبنا الله ونعم الوكيل
[كتاب أسرار الصوم]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أعظم عَلَى عِبَادِهِ الْمِنَّةَ بِمَا دَفَعَ عَنْهُمْ كَيْدَ الشيطان وفنه ورد أمله وَخَيَّبَ ظَنَّهُ إِذْ جَعَلَ الصَّوْمَ حِصْنًا لِأَوْلِيَائِهِ وجنة وفتح لهم به أبواب الجنة وعرفهم أن وسيلة الشيطان إلى قلوبهم الشهوات المستكنة وإن بقمعها تصبح النفس المطمئنة ظاهرة الشوكة في قصم خصمها قوية المنة والصلاة على محمد قائد الخلق وممهد السنة وعلى آله وأصحابه ذوي الأبصار الثاقبة والعقول المرجحة وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد فإن الصوم ربع الإيمان بمقتضى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ (١) وبمقتضى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّبْرُ نِصْفُ
(١) حديث الصوم نصف الصبر أخرجه الترمذي وحسنه من حديث رجل من بني سليم وابن ماجه من حديث أبي هريرة