للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا ورأيت في ذلك اليوم ولياً لم أعرفه

وقيل لأبي يزيد البسطامي مرة حدثنا عن مشاهدتك من الله تعالى فصاح ثم قال ويلكم لا يصلح لكم أن تعلموا ذلك قيل فحدثنا بأشد مجاهدتك لنفسك في الله تعالى فقال وهذا أيضاً لا يجوز أن أطلعكم عليه

قيل فحدثنا عن رياضة نفسك في بدايتك فقال نعم دعوت نفسي إلى الله فجمحت علي فعزمت عليها أن لا أشرب الماء سنة ولا أذوق النوم سنة فوفت لي بذلك

ويحكى عن يحيى بن معاذ أنه رأى أبا يزيد في بعض مشاهداته من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر مستوفزاً على صدور قدميه رافعاً أخمصيه مع عقبيه عن الأرض ضارباً بذقنه على صدره شاخصاً بعينيه لايطرف قال ثم سجد عند السحر فأطاله ثم قعد فقال اللهم إن قوماً طلبوك فأعطيتهم الشىء على الماء والمشي في الهواء فرضوا بذلك وإني أعوذ بك من ذلك وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم طى الأرض فرضوا بذل وإني أعوذ بك من ذلك وإن قوماً طلبوك فأعطيتهم كنوز الأرض فرضوا بذلك وإني أعوذ بك من ذلك حتى عد نيفاً وعشرين مقاماً من كرامات الأولياء ثم التفت فرآني فقال يحيى قلت نعم يا سيدي فقال منذ متى أنت ههنا قلت منذ حين فسكت فقلت يا سيدي حدثني بشيء فقال أحدثك بما يصلح لك أدخلني في الفلك الأسفل فدورني في الملكوت السفلى وأراني الأرضين وما تحتها إلى الثرى ثم أدخلني في الفلك العلوي فطوف بي في السموات وأراني ما فيها من الجنان إلى العرش أوقفني بين يديه فقال سلني أي شيء رأيت حتى أهبه لك فقلت يا سيدي ما رأيت شيئاً استحسنته فأسألك إياه فقالأنت عبدي حقاً تعبدني لأجلي صدقاً لأفعلن بك ولأفعلن فذكر أشياء

قال يحيى فهالني ذلك وامتلأت به وعجبت منه فقلت ياسيدى لم لا سألته المعرفة به وقد قال لك ملك الملوك سلني ما شئت قال فصاح بي صيحة وقال اسكت ويلك عرت عليه مني حتى لا أحب أن يعرفه سواه

وحكي أن أبا تراب التخشبي كان معجباً ببعض المريدين فكان يدنيه ويقوم بمصالحه والمريد مشغول بعبادته ومواجدته فقال له أبو تراب يوماً لو رأيت أبا يزيد فقال إني عنه مشغول فلما أكثر عليه أبو تراب من قوله لو رأيت أبا يزيد هاج وجد المريد فقال ويحك ما أصنع بأبي يزيد قد رأيت الله تعالى فأغناني عن أبي يزيد قال أبو تراب فهاج طبعي ولم أملك نفسي فقلت ويلك تغتر بالله عز وجل لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة قال فبهت الفتى من قوله وأنكره فقال وكيف ذلك قال له ويلك أما ترى الله تعالى عندك فيظهر لك على مقدارك وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره فعرف ما قلت فقال احملني إليه فذكر قصة قال في آخرها فوقفنا على تل تنتظره ليخرج إلينا من الغيضة وكان يأوي إلى غيضة فيها سباع قال فمر بنا وقد قلب فروة على ظهره فقلت للفتى هذا أبو يزيد فانظر إليه فنظر إليه الفتى فصعق فحركناه فإذا هو ميت فتعاونا على دفنه فقلت لأبي يزيد يا سيدي نظره إليك قتله قال لا ولكن كان صاحبكم صادقاً واستكن في قلبه سر لم ينكشف له بوصفه فلما رآنا انكشف له سر قلبه فضاق عن حمله لأنه في مقام الضعفاء المريدين فقتله ذلك

ولما دخل الزنج البصرة فقتلوا الأنفس ونهبوا الأموال اجتمع إلى سهل إخوانه فقالوا لو سألت الله تعالى دفعهم فسكت ثم قال إن لله عباداً في هذه البلدة لو دعوا على الظالمين لم يصبح على وجه الأرض ظالم إلا مات في ليلة واحدة ولكن لا يفعلون قيل لم قال لأنهم لا يحبون ما لا يحب ثم ذكر من إجابة الله تعالى أشياء لا يستطاع ذكرها حتى قال ولو سألوه أن لا يقيم الساعة لم يقمها

وهذه أمور ممكنة في أنفسها فمن لم يحظ بشيء منها فلا ينبغي أن يخلو عن التصديق والإيمان بإمكانها فإن القدرة واسعة والفضل عميم وعجائب الملك والملكوت

<<  <  ج: ص:  >  >>