للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن رجلاً أثنى على رجل خيراً عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال لو كان صاحبك حاضراً فرضي الذي قلت فمات على ذلك دخل النار (١) {حديث} ويحك قطعت ظهره الحديث قاله للمادح تقدم

وقال صلى الله عليه وسلم ألا لا تمادحوا وإذا رأيتم المادحين فاحثوا في وجوههم التراب // حديث ألا لا تمادحوا وإذا رأيتم المداحين فاحثوا في وجوههم التراب تقدم دون قوله ألا لا تمادحوا

فلهذا كان الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين على وجل عظيم من المدح وفتنته وما يدخل على القلب من السرور العظيم به حتى إن بعض الخلفاء الراشدين سأل رجلاً عن شيء فقال أنت يا أمير المؤمنين خير مني وأعلم فغضب وقال إني لم آمرك بأن تزكيني وقيل لبعض الصحابة لا يزال الناس بخير ما أبقاك الله فغضب وقال إني لأحسبك عراقياً

وقال بعضهم لما مدح اللهم إن عبدك تقرب إلي بمقتك فأشهدك على مقته

وإنما كرهوا المدح خيفة أن يفرحوا بمدح الخلق وهم ممقوتون عند الخالق فكان اشتغال قلوبهم بحالهم عند الله تعالى يبغض إليهم مدح الخلق لأن الممدوح هو المقرب عند الله والمذموم بالحقيقة هو المبعد من الله الملقى في النار مع الأشرار فهذا الممدوح إن كان عند الله من أهل النار فما أعظم جهله إذا فرح بمدح غيره وإن كان من أهل الجنة فلا ينبغي أن يفرح إلا بفضل الله تعالى وثنائه عليه إذ ليس أمره بيد الخلق

ومهما علم أن الأرزاق والآجال بيد الله تعالى قل التفاته إلى مدح الخلق وذمهم وسقط من قلبه حب المدح واشتغل بما يهمه من أمر دينه

والله الموفق للصواب برحمته

بيان علاج كراهة الذم

قد سبق أن العلة في كراهة الذم هو ضد العلة في حب المدح فعلاجه أيضاً يفهم منه

وَالْقَوْلُ الْوَجِيزُ فِيهِ أَنَّ مَنْ ذَمَّكَ لَا يخلو من ثلاثة أحوال

إما أن يَكُونُ قَدْ صَدَقَ فِيمَا قَالَ وَقَصَدَ بِهِ النُّصْحَ وَالشَّفَقَةَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا وَلَكِنَّ قَصْدَهُ الْإِيذَاءُ وَالتَّعَنُّتُ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كَاذِبًا

فَإِنْ كَانَ صَادِقًا وَقَصْدُهُ النُّصْحَ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَذُمَّهُ وَتَغْضَبَ عَلَيْهِ وَتَحْقِدَ بِسَبَبِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَتَقَلَّدَ مِنَّتَهُ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى إِلَيْكَ عُيُوبَكَ فَقَدْ أَرْشَدَكَ إِلَى الْمُهْلِكِ حَتَّى تَتَّقِيَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تَفْرَحَ بِهِ وَتَشْتَغِلَ بِإِزَالَةِ الصِّفَةِ الْمَذْمُومَةِ عَنْ نَفْسِكَ إِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهَا فَأَمَّا اغْتِمَامُكَ بِسَبَبِهِ وَكَرَاهَتُكَ لَهُ وَذَمُّكَ إِيَّاهُ فَإِنَّهُ غَايَةُ الْجَهْلِ وَإِنْ كَانَ قَصْدُهُ التَّعَنُّتَ فَأَنْتَ قَدِ انْتَفَعْتَ بِقَوْلِهِ إِذْ أَرْشَدَكَ إِلَى عيبك إن كنت جاهلاً به وأذكرك عيبك إن كنت غافلاً عنه أو قبحه في عينك لينبعث حرصك على إزالته إن كنت قد استحسنته

وكل ذلك أسباب سعادتك وقد استفدته منه فاشتغل بطلب السعادة فقد أتيح لك أسبابها بسبب ما سمعته من المذمة

فمهما قصدت الدخول على ملك وثوبك ملوث بالعذرة وأنت لا تدري ولو دخلت عليه كذلك لخفت أن يحز رقبتك لتلويثك مجلسة بالعذرة فقال قائل أيها الملوث بالعذرة طهر نفسك فينبغي أن تفرح به لأن تنبيهك بقوله غنيمة وجميع مساوي الْأَخْلَاقِ مُهْلِكَةٌ فِي الْآخِرَةِ وَالْإِنْسَانُ إِنَّمَا يَعْرِفُهَا من قول أعدائه فينبغي أن يغتنمه

وَأَمَّا قَصْدُ الْعَدُوِّ التَّعَنُّتَ فَجِنَايَةٌ مِنْهُ عَلَى دِينِ نَفْسِهِ وَهُوَ نِعْمَةٌ مِنْهُ عَلَيْكَ فَلِمَ تَغْضَبُ عَلَيْهِ بِقَوْلٍ انْتَفَعْتَ بِهِ أَنْتَ وَتَضَرَّرَ هو به


(١) حديث أن رجلاً أثنى على رجل خيرا فقال لو كان صاحبك حاضراً فرضي الذي قلت ومات على ذلك دخل النار لم أجد له أصلا
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً لِلْمَادِحِ وَيْحَكَ قصمت ظهره لو سمعك ما أفلح إلى يوم القيامة

<<  <  ج: ص:  >  >>