في القلوب والرجل يقاتل للذكر وهذا هو الحمد باللسان فقال صلى الله عليه وسلم من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله وقال ابن مسعود إذا التقى الصفان نزلت الملائكة فكتبوا الناس على مراتبهم فلان يقاتل للذكر وفلان يقاتل للملك والقتال للملك إشارة إلى الطمع في الدنيا
وقال عمر رضي الله عنه يقولون فلان شهيد ولعله يكون قد ملأ دفتي راحلته ورقاً
وقال صلى الله عليه وسلم من غزا لا يبغي إلا عقالاً فله ما نوى // حديث من غزا لا يبغي إلا عقالاً فله ما نوى أخرجه النسائي وقد تقدم
فهذا إشارة إلى الطمع
وقد لا يشتهي الحمد ولا يطمع فيه ولكن يحذر من ألم الذم كالبخيل بين الأسخياء وهم يتصدقون بالمال الكثير فإنه يتصدق بالقليل كي لا يبخل وهو ليس يطمع في الحمد وقد سبقه غيره وكالجبان بين الشجعان لا يفر من الزحف خوفاً من الذم وهو لا يطمع في الحمد وقد هجم غيره على صف القتال
ولكن إذا أيس من الحمد كره الذم وكالرجل بين قوم يصلون جميع الليل فيصلي ركعات معدودة حتى لا يذم بالكسل وهو لا يطمع في الحمد
وقد يقدر الإنسان على الصبر عن لذة الحمد ولا يقدر على الصبر على ألم الذم ولذلك قد يترك السؤال عن علم هو محتاج إليه خيفة من أن يذم بالجهل ويفتى بغير علم ويدعى العلم بالحديث وهو به جاهل كل ذلك حذراً من الذم
فهذه الأمور الثَّلَاثَةُ هِيَ الَّتِي تُحَرِّكُ الْمُرَائِيَ إِلَى الرِّيَاءِ وعلاجه ما ذكرناه في الشطر الأول من الكتاب على الجملة
ولكنا نذكر الآن ما يخص الرياء وليس يخفى أن الإنسان إنما يقصد الشيء ويرغب فيه لظنه أنه خير له ونافع ولذيذ إما في الحال وإما في المآل فإن علم أنه لذيذ في الحال ولكنه ضار في المآل سهل عَلَيْهِ قَطْعُ الرَّغْبَةِ عَنْهُ كَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْعَسَلَ لَذِيذٌ وَلَكِنْ إِذَا بَانَ لَهُ أَنَّ فيه سماً أعرض عنه فكذلك طريق قطع هذه الرغبة أن يعلم ما فيه من المضرة
ومهما عرف العبد مَضَرَّةَ الرِّيَاءِ وَمَا يَفُوتُهُ مِنْ صَلَاحِ قَلْبِهِ وَمَا يَحْرُمُ عَنْهُ فِي الْحَالِ مِنَ التَّوْفِيقِ وفي الآخرة من المنزلة عند الله وما يتعرض له من العقاب العظيم والمقت الشديد والخزي الظاهر
حيث ينادي على رؤوس الخلائق يا فاجر يا غادر يا مرائي أما استحييت إذا اشتريت بطاعة الله عرض الدنيا وراقبت قلوب العباد واستهزأت بطاعة الله وتحببت إلى العباد بالتبغض إلى الله وتزينت لهم بالشين عند الله وتقربت إليهم بالبعد من الله وتحمدت إليهم بالتذمم عند الله وطلبت رضاهم بالتعرض لسخط الله أما كان أحد أهون عليك من الله فَمَهْمَا تَفَكَّرَ الْعَبْدُ فِي هَذَا الْخِزْيِ وَقَابَلَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْعِبَادِ وَالتَّزَيُّنِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا بِمَا يُفَوِّتُهُ فِي الْآخِرَةِ وَبِمَا يحبط من ثواب الأعمال مع أن العمل الواحد ربما كان يترجح به ميزان حسناته لو خلص فإذا فسد بالرياء حول إلى كفة السيئات فترجح به ويهوي إلى النار فلو لم يكن في الرياء إلا إحباط عبادة واحدة لكان ذلك كافياً في معرفة ضرره وإن كان مع ذلك سائر حسناته راجحة فقد كان ينال بهذه الحسنة علو الرتبة عند الله في زمرة النبيين والصديقين وقد حط عنهم بسبب الرياء رد إلى صف النعال من مراتب الأولياء هذا مع ما يتعرض له في الدنيا من تشتت الهم بسبب ملاحظة قلوب الخلق فإن رضا الناس غاية لا تدرك فكل ما يرضى به فريق يسخط به فريق ورضا بعضهم في سخط بعضهم ومن طلب رضاهم في سخط الله سخط الله عليه وأسخطهم أيضاً عليه ثُمَّ أَيُّ غَرَضٍ لَهُ فِي مَدْحِهِمْ وَإِيثَارِ ذَمِّ اللَّهِ لِأَجْلِ حَمْدِهِمْ وَلَا يَزِيدُهُ حَمْدُهُمْ رِزْقًا وَلَا أَجَلًا وَلَا يَنْفَعُهُ يَوْمَ فَقْرِهِ وَفَاقَتِهِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا الطَّمَعُ فِيمَا فِي أَيْدِيهِمْ فَبِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُسَخِّرُ لِلْقُلُوبِ بِالْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ وَأَنَّ الْخَلْقَ مُضْطَرُّونَ فِيهِ وَلَا رَازِقَ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ طَمِعَ فِي الْخَلْقِ لَمْ يَخْلُ مِنَ الذُّلِّ وَالْخَيْبَةِ وَإِنْ وَصَلَ إِلَى الْمُرَادِ لَمْ يَخْلُ عَنِ الْمِنَّةِ وَالْمَهَانَةِ فَكَيْفَ يَتْرُكُ مَا عِنْدَ الله برجاء