للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعند التنبه يشتغل بدفعه والاشتغال بذكر الله لا يمنع من التيقظ عند نزغة الشيطان بل الرجل ينام وهو خائف من أن يفوته مهم عند طلوع الصبح فيلزم نفسه الحذر وينام على أن يتنبه في ذلك الوقت فيتنبه في الليل مرات قبل أوانه لما أسكن في قلبه من الحذر مع أنه بالنوم غافل عنه فاشتغاله بذكر الله كيف يمنع تنبهه ومثل هذا القلب هو الذي يقوي على دفع العدو إذا كان اشتغاله بمجرد ذكر الله تعالى قد أمات منه الهوى وأحيا فيه نور العقل والعلم وأماط عنه ظلمة الشهوات فأهل البصيرة أشعروا قلوبهم عداوة الشيطان وترصده وألزموها الحذر ثم لم يشتغلوا بذكره بل بذكر الله ودفعوا بالذكر شر العدو واستضاءوا بنور الذكر حتى صرفوا خواطر العدو

فمثال القلب مثال بئر أريد تطهيرها من الماء القذر ليتفجر منها الماء الصافي فالمشتغل بذكر الشيطان قد ترك فيها الماء القذر والذي جمع بين ذكر الشيطان وذكر الله قد نزح الماء القذر من جانب ولكنه تركه جارياً إليها من جانب آخر فيطول تعبه ولا تجف البئر من الماء القذر والبصير هو الذي جعل لمجرى الماء القذر سداً وملأها بالماء الصافي فإذا جاء الماء القذر دفعه بالسكر والسد من غير كلفة ومؤنة وزيادة تعب

بَيَانُ الرُّخْصَةِ فِي قَصْدِ إِظْهَارِ الطَّاعَاتِ

اعْلَمْ أن في الأسرار للأعمال فَائِدَةَ الْإِخْلَاصِ وَالنَّجَاةَ مِنَ الرِّيَاءِ وَفِي الْإِظْهَارِ فائدة والإقتداء وَتَرْغِيبَ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَلَكِنْ فِيهِ آفَةُ الرياء قال الحسن قد علم المسلمون إِنَّ السِّرَّ أَحْرَزُ الْعَمَلَيْنِ وَلَكِنْ فِي الْإِظْهَارِ أَيْضًا فَائِدَةٌ وَلِذَلِكَ أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فَقَالَ إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لكم

وَالْإِظْهَارُ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا فِي نَفْسِ الْعَمَلِ وَالْآخَرُ التحدث بِمَا عَمِلَ

الْقِسْمُ الْأَوَّلُ إِظْهَارُ نَفْسِ الْعَمَلِ كَالصَّدَقَةِ فِي الْمَلَأِ لِتَرْغِيبِ النَّاسِ فِيهَا كَمَا رُوِيَ عَنِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي جَاءَ بِالصُّرَّةِ فَتَتَابَعَ النَّاسُ بِالْعَطِيَّةِ لَمَّا رَأَوْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فَعَمِلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنِ اتبعه // حديث من سن سنة حسنة فَعَمِلَ بِهَا كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنِ اتبعه وفي أوله قصة مسلم من حديث جرير بن عبد الله البيهقي

وَتَجْرِي سَائِرُ الْأَعْمَالِ هَذَا الْمَجْرَى مِنَ الصَّلَاةِ والصيام والحج والغزو وغيرها وَلَكِنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى الطِّبَاعِ أَغْلَبُ

نعم الغازي إذا هم بالخروج فاستعد وشد الرحل قبل القوم تحريضاً لهم على الحركة فذلك أفضل له لأن الغزو في أصله من أعمال العلانية لا يمكن إسراره فالمبادرة إليه ليست من الإعلان بل هو تحريض مجرد وكذلك الرجل قد يرفع صوته في الصلاة بالليل لينبه جيرانه وأهله فيقتدى به

فكل عمل لا يمكن إسراره كالحج والجهاد والجمعة فالأفضل المبادرة إليه وإظهار الرغبة فيه للتحريض بشرط أن لا يكون فيه شوائب الرياء وأما ما يمكن إسراره كالصدقة والصلاة فإن كان إظهار الصدقة يؤذي المتصدق عليه ويرغب الناس في الصدقة فالسر أفضل لأن الإيذاء حرام

فإن لم يكن فيه إيذاء فقد اختلف الناس في الأفضل فقال قوم السر أفضل من العلانية وإن كان في العلانية قدوة وقال قوم السر أَفْضَلُ مِنْ عَلَانِيَةٍ لَا قُدْوَةَ فِيهَا أَمَّا الْعَلَانِيَةُ لِلْقُدْوَةِ فَأَفْضَلُ مِنَ السِّرِّ

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ الْأَنْبِيَاءَ بإظهار العمل للاقتداء وخصهم بمنصب النبوة ولا يجوز أن يظن بهم أنهم حرموا أفضل العملين

ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم فله أجرها وأجر من عمل بها وقد روي في الحديث

<<  <  ج: ص:  >  >>