ثم الواعظ هو الذي يرغب في الآخرة ويزهد في الدنيا بكلامه وبظاهر سيرته فأما ما أحدثه الوعاظ في هذه الأعصار من الكلمات المزخرفة والألفاظ المسجعة المقرونة بالأشعار مما ليس فيه تعظيم لأمر الدين وتخويف المسلمين بل فيه الترجية والتجرئة على المعاصي بطيارات النكت فيجب إخلاء البلاد منهم فإنهم نواب الدجال وخلفاء الشيطان وإنما كلامنا في واعظ حسن الوعظ جميل الظاهر يبطن في نفسه حب القبول ولا يقصد غيره وفيما أوردناه في كتاب العلم من الوعيد الوارد في حق علماء السوء ما يبين لزوم الحذر من فتن العلم وغوائله ولهذا قال المسيح عليه السلام يا علماء السوء تصومون وتصلون وتتصدقون ولا تفعلون ما تأمرون وتدرسون ما لا تعملون فيا سوء ما تحكمون تتوبون بالقول والأماني وتعملون بالهوى وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة بحق أقول لكم لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب ويبقى فيه النخالة كذلك أنتم تخرجون الحكم من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم يا عبيد الدنيا كيف يدرك الآخرة من لا تنقضي من الدنيا شهوته ولا تنقطع منها رغبته بحق أقول لكم إن قلوبكم تبكي من أعمالكم جعلتم الدنيا تحت ألسنتكم والعمل تحت أقدامكم بحق أقول لكم أفسدتم آخرتكم بصلاح دنياكم فصلاح الدنيا أحب إليكم من صلاح الآخرة فأي ناس أخس منكم لو تعلمون ويلكم حتى متى تصفون الطريق للمدلجين وتقيمون في محلة المتجبرين كأنكم تدعون أهل الدنيا ليتركوها لكم مهلا مهلا ويلكم ماذا يغني عن البيت المظلم أن يوضع السراج فوق ظهره وجوفه وحش مظلم كذلك لا يغني عنكم أن يكون نور العلم بأفواهكم وأجوافكم منه وحشة معطلة يا عبيد الدنيا لا كعبيد أتقياء ولا كأحرار كرام توشك الدنيا أن تقلعكم عن أصولكم فتلقيكم على وجوهكم ثم تكبكم على مناخركم ثم تأخذ خطاياكم بنواصيكم ثم يدفعكم العلم من خلفكم ثم يسلمكم إلى الملك الديان حفاة عراة فرادى فيوقفكم على سوآتكم ثم يجزيكم بسوء أعمالكم وقد روى الحارث المحاسبي هذا الحديث في بعض كتبه ثم قال هؤلاء علماء السوء شياطين الإنس وفتنة على الناس رغبوا في عرض الدنيا ورفعتها وآثروها على الآخرة وأذلوا الدين للدنيا فهم في العاجل عار وشين وفي الآخرة هم الخاسرون فإن قلت فهذه الآفات ظاهرة ولكن ورد في العلم والوعظ رغائب كثيرة حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن يهدي الله بك رجلا خير لك من الدنيا وما فيها