وتذكر ما قاله أحد الثلاثة الذين حاجوا أيوب عليه السلام إذ قال يا أيوب أما علمت أن العبد تضل عنه علانيته التي كان يخادع بها عن نفسه ويجزى بسريرته
وقول بعضهم أعوذ بك أن يرى الناس أني أخشاك وأنت لي ماقت
وكان من دعاء علي بن الحسين رضي الله عنهما اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لامعة العيون علانيتي وتقبح لك فيما أخلو سريرتي محافظاً على رياء الناس من نفسي مضيعاً لما أنت مطلع عليه مني أبدي للناس أحس أمري وأفضي إليك بأسوأ عملي تقرباً إلى الناس بحسناتي وفراراً منهم إليك بسيآتي فيحل بي مقتك ويجب علي غضبك أعذني من ذلك يا رب العالمين
وقد قال أحد الثلاثة نفر لأيوب عليه السلام يا أيوب ألم تعلم أن الذين حفظوا علانيتهم وأضاعوا سرائرهم عند طلب الحاجات إلى الرحمن تسود وجوههم فهذه جمل آفات الرياء
فليراقب العبد قلبه ليقف عليها ففي الخبر إن للرياء سبعين بابا // حديث الرياء سبعون بابا هكذا ذكر المصنف هذا الحديث هنا وكأنه تصحف عليه أو على من نقله من كلامه أنه الرياء بالمثناة وإنما هو الربا بالموحدة والمرسوم كتابته بالواو والحديث رواه ابن ماجه من حديث أبي هريرة بلفظ الربا سبعون حوبا أيسرها أن ينكح الرجل أمه وفي إسناد أبو معشر واسمه نجيح مختلف فيه وروى ابن ماجه أيضا من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الربا ثلاث وسبعون بابا وإسناده صحيح هكذا ذكر ابن ماجه الحديثين في أبوب التجارات وقد روى البزار حديث ابن مسعود بلفظ الربا بضع وسبعون بابا والشرك مثل ذلك وهذه الزيادة قد يستدل بها على أنه الرياء بالمثناة لاقترائه مع الشرك والله أعلم
وقد عرفت أن بعضه أغمض من بعض حتى إن بعضه مثل دبيب النمل وبعضه أخفى من دبيب النمل وكيف يدرك ما هو أخفى من دبيب النمل إلا بشدة التفقد والمراقبة وليته أدرك بعد بذل المجهود فكيف يطمع في إدراكه من غير تفقد للقلب وامتحان للنفس وتفتيش عن خدعها نسأل الله تعالى العافية بمنه وكرمه وإحسانه
بيان ما ينبغي للمريد أن يلزم نفسه قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَهُ وَفِيهِ
اعْلَمْ أَنَّ أَوْلَى مَا يُلْزِمُ الْمُرِيدُ قَلْبَهُ فِي سَائِرِ أَوْقَاتِهِ الْقَنَاعَةُ بِعِلْمِ اللَّهِ فِي جَمِيعِ طَاعَاتِهِ وَلَا يَقْنَعُ بِعِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَلَا يَرْجُو إِلَّا اللَّهَ فَأَمَّا مَنْ خَافَ غَيْرَهُ وَارْتَجَاهُ اشْتَهَى اطِّلَاعَهُ عَلَى مَحَاسِنِ أَحْوَالِهِ فَإِنْ كَانَ فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ فَلْيُلْزِمْ قَلْبَهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَالْإِيمَانِ لِمَا فِيهِ مِنْ خَطَرِ التَّعَرُّضِ لِلْمَقْتِ وليراقب نفسه عند الطاعات العظيمة الشاقة التي لا يقدر عليها غيره فإن النفس عند ذلك تكاد تغلي حرصاً على الإفشاء وتقول مثل هذا العمل العظيم أو الخوف العظيم أو البكاء العظيم لو عرفه الخلق منك لسجدوا لك فما في الخلق من يقدر على مثله فكيف ترضى بإخفائه فيجهل الناس محلك وينكرون قدرك ويحرمون الاقتداء بك ففي مثل هذا الأمر ينبغي أَنْ يَثْبُتَ قَدَمُهُ وَيَتَذَكَّرَ فِي مُقَابَلَةِ عِظَمِ عمله عظم ملك الآخرة ونعيم الجنة ودوامه أبد الآباد وعظم غضب الله ومقته عَلَى مَنْ طَلَبَ بِطَاعَتِهِ ثَوَابًا مِنْ عِبَادِهِ ويعلم أن إظهاره لغيره محبب إليه وسقوط عند الله وإحباط للعمل العظيم فيقول وكيف أتبع مثل هذا العمل بحمد الخلق وهم عاجزون لا يقدرون لي على رزق ولا أجل فيلزم ذلك قلبه ولا ينبغي أن ييأس عنه فيقول إنما يقدر على الإخلاص الأقوياء فأما المخلطون فليس ذلك من شأنهم فيترك المجاهدة في الإخلاص لأن المخلط إلى ذلك أحوج من المتقي لأن المتقي إن فسدت نوافله بقيت فرائضه كاملة تامة والمخلط لا تخلو فرائضه عن النقصان والحاجة إلى الجبران بالنوافل فإن لم تسلم صار مأخذوا بالفرائض وهلك به فالمخلط إلى الإخلاص أحوج
وقد روى تميم الداري عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال يحاسب العبد يوم القيامة فإن نقص فرضه قيل انظروا هل له من تطوع فإن كان له تطوع أكمل به فرضه وإن لم يكن له تطوع أخذ