وقال فرعون فيما أخبر الله عنه {أو جاء معه الملائكة مقترنين} وقال الله تعالى {واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق} فتكبر هو على الله وعلى رسله جميعاً
قال وهب قال له موسى عليه السلام آمن ولك ملكك قال حتى أشاور هامان فشاور هامان فقال هامان بينما أنت رب يعبد إذ صرت عبد تعبد فاسنكف عن عبودية الله وعن اتباع موسى عليه السلام
وقالت قريش فيما أخبر الله تعالى عنهم {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} قال قتاده عظيم القريتين هو الوليد بن المغيرة وأبو مسعود الثقفي طلبوا من هو أعظم رياسة من النبي صلى الله عليه وسلم إذ قالوا غلام يتيم كيف بعثه الله إلينا فقال تعالى {أهم يقسمون رحمة ربك} وقال الله تعالى {ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا} أي استحقاراً لهم واستبعاداً لتقدمهم
وقالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نجلس إليك وعندك هؤلاء وأشاروا إلى فقراء المسلمين فازدروهم بأعينهم لفقرهم وتكبروا عن مجالستهم فأنزل اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي} إلى قوله {ما عليك من حسابهم} وقال تَعَالَى {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عنهم تريد زينة الحياة الدنيا} // حديث قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم كيف نجلس إليك وعندك هؤلاء الحديث في نزول قوله تعالى {ولا تطرد الذين يدعون ربهم} أخرجه مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص إلا أنه قال فقال المشركون وقال ابن ماجه قالت قريش
ثم أخبر الله تعالى عن تعجبهم حين دخلوا جهنم إذا لم يروا الذين ازدروهم فقالوا {ما لنا لا نرى رجالاً كنا نعدهم من الأشرار} قيل يعنون عماراً وبلالاً وصهيباً والمقداد رضي الله عنهم ثم كان منهم من منعه الكبر عن الفكر والمعرفة فجهل كونه صلى الله عليه وسلم محقاً ومنهم من عرف ومنعه الكبر عن الاعتراف قال الله تعالى مخبراً عنهم {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به} وقال {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا} وهذا الكبر قريب من التكبر على الله عز وجل وإن كان دونه ولكنه تكبر على قبول أمر الله والتواضع لرسوله
القسم الثالث التكبر على العباد وذلك بأن يستعظم نفسه ويستحقر غيره فتأبى نفسه عن الانقياد لهم وتدعوه إلى الترفع عليهم فيزدريهم ويستصغرهم ويأنف عن مساواتهم وهذا وإن كان دون الأول والثاني فهو أيضاً عظيم من وجهين أحدهما أن الكبر والعز والعظمة والعلاء لا يليق إِلَّا بِالْمَلِكِ الْقَادِرِ فَأَمَّا الْعَبْدُ الْمَمْلُوكُ الضَّعِيفُ الْعَاجِزُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَمِنْ أين يليق بحاله الكبر فَمَهْمَا تَكَبَّرَ الْعَبْدُ فَقَدْ نَازَعَ اللَّهَ تَعَالَى فِي صِفَةٍ لَا تَلِيقُ إِلَّا بِجَلَالِهِ وَمِثَالُهُ أن يأخذ الغلام قلنسوة الملك فيضعها عَلَى رَأْسِهِ وَيَجْلِسُ عَلَى سَرِيرِهِ فَمَا أَعْظَمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِلْمَقْتِ وَمَا أَعْظَمَ تَهَدُّفَهُ لِلْخِزْيِ وَالنَّكَالِ وَمَا أَشَدَّ اسْتِجْرَاءَهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَمَا أَقْبَحَ ما تعاطاه وإلى هذا المعنى الإشارة بقوله تعالى العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته أي إنه خاص صفتي ولا يليق إلا بي والمنازع فيه منازع في صفة من صفاتي وإذا كان الكبر على عباده لا يليق إلا به فمن تكبر على عباده فقد جني عليه إذ الذي يسترذل خواص غلمان الملك ويستخدمهم ويترفع عليهم ويستأثر بما حق الملك أن يستأثر به منهم فهو منازع له في بعض أمره وإن لم يبلغ درجته درجة من أراد الجلوس على سريره والاستبداد بملكه فالخلق كلهم عباد الله وله العظمة الكبرياء عَلَيْهِمْ فَمَنْ تَكَبَّرَ عَلَى عَبْدٍ مِنْ عِبَادِ الله فقد نازع الله في حقه
نعم الفرق بين هذه المنازعة وبين منازعة نمروذ وفرعون هو الفرق بين منازعة الملك في استصغار بعض عبيده واستخدامهم وبين منازعته في أصل الملك