للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يأخذوا حذرهم وقال مطرف لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً أحب إلي من أبيت قائماً وأصبح معجباً

وقال صلى الله عليه وسلم لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب // حديث لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر من ذلك العجب العجب أخرجه البزار وابن حبان في الضعفاء والبيهقي في الشعب من حديث أنس وفيه سلام بن أبي الصهباء قال البخاري منكر الحديث

وقال أحمد حسن الحديث ورواه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي سعيد بسند ضعيف جدا

فجعل العجب أكبر الذنوب

وكان بشر بن منصور من الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى والدار الآخرة لمواظبته على العبادة فأطال الصلاة يوماً ورجل خلفه ينظر ففطن له بشر فلما انصرف عن الصلاة قال له لا يعجبنك ما رأيت مني فإن إبليس لعنه الله قد عبد الله تعالى مع الملائكة مدة طويلة ثم صار إلى ما صار إليه

وقيل لعائشة رضي الله عنها متى يكون الرجل مسيئاً قالت إذا ظن أنه محسن وقد قال تعالى {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} وَالْمَنُّ نَتِيجَةُ اسْتِعْظَامِ الصَّدَقَةِ وَاسْتِعْظَامُ الْعَمَلِ هُوَ العجب

فظهر بهذا أن العجب مذموم جداً

بَيَانُ آفَةِ الْعُجْبِ

اعْلَمْ أَنَّ آفَاتِ الْعُجْبِ كَثِيرَةٌ فَإِنَّ الْعُجْبَ يَدْعُو إِلَى الْكِبْرِ لِأَنَّهُ أحد أسبابه كما ذكرناه فَيَتَوَلَّدُ مِنَ الْعُجْبِ الْكِبْرُ وَمِنَ الْكِبْرِ الْآفَاتُ الْكَثِيرَةُ الَّتِي لَا تَخْفَى هَذَا مَعَ الْعِبَادِ وَأَمَّا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَالْعُجْبُ يَدْعُو إِلَى نِسْيَانِ الذُّنُوبِ وَإِهْمَالِهَا فَبَعْضُ ذُنُوبِهِ لَا يَذْكُرُهَا ولا يتفقدها لظنه أنه مستغن عن تفقدها فينساها وما يتذكره منها فيستصغره ولا يستعظمه فلا يجتهد في تداركه وتلافيه بَلْ يَظُنُّ أَنَّهُ يُغْفَرُ لَهُ

وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ والأعمال فإنه يستعظمها ويتبجح بها وَيَمُنُّ عَلَى اللَّهِ بِفِعْلِهَا وَيَنْسَى نِعْمَةَ اللَّهِ عليه بالتوفيق والتمكين منها ثم إذا عجب بها عمي عن آفاتها

ومن لم يتفقد آفات الأعمال كان أكثر سعيه ضائعاً فإن الأعمال الظاهرة إذا لم تكن خالصة نقية عن الشوائب قلما تنفع وإنما يتفقد من يغلب عليه الإشفاق والخوف دون العجب والمعجب يَغْتَرُّ بِنَفْسِهِ وَبِرَأْيِهِ وَيَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ وَعَذَابَهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ عِنْدَ اللَّهِ بِمَكَانٍ وَأَنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنَّةً وَحَقًّا بِأَعْمَالِهِ الَّتِي هِيَ نعمة وعطية من عطاياه وَيُخْرِجُهُ الْعُجْبُ إِلَى أَنْ يُثْنِيَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَحْمَدَهَا وَيُزَكِّيَهَا وَإِنْ أُعْجِبَ بِرَأْيِهِ وَعَمَلِهِ وَعَقْلِهِ مَنَعَ ذَلِكَ مِنَ الِاسْتِفَادَةِ وَمِنَ الِاسْتِشَارَةِ وَالسُّؤَالِ فَيَسْتَبِدُّ بِنَفْسِهِ وَرَأْيِهِ وَيَسْتَنْكِفُ مِنْ سُؤَالِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنْهُ وَرُبَّمَا يُعْجَبُ بِالرَّأْيِ الْخَطَأِ الَّذِي خَطَرَ لَهُ فَيَفْرَحُ بِكَوْنِهِ مِنْ خَوَاطِرِهِ وَلَا يَفْرَحُ بِخَوَاطِرِ غَيْرِهِ فَيُصِرُّ عَلَيْهِ وَلَا يسمع نصح وَلَا وَعْظَ وَاعِظٍ بَلْ يَنْظُرُ إِلَى غَيْرِهِ بعين الاستجهال ويصر على خطئه فإن كان رأيه في أمر دنيوي فيحقق فيه وإن كان في أمر ديني لا سيما فيما يتعلق بأصول العقائد فيهلك به ولو اتهم نفسه ولم يثق برأيه واستضاء بنور القرآن واستعان بعلماء الدين وواظب على مدارسة العلم وتابع سؤال أهل البصيرة لكان ذلك يوصله إلى الحق

فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِنْ آفَاتِ الْعُجْبِ فَلِذَلِكَ كَانَ من المهلكات ومن أعظم آفاته أن يفتر فِي السَّعْيِ لِظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ فَازَ وَأَنَّهُ قد استغنى وهو الهلاك الصريح الذي لا شبهة فيه

نسأل الله تعالى العظيم حسن التوفيق لطاعته

بيان حقيقة العجب والإدلال وحدهما

اعلم أن العجب إنما يكون بوصف هو كمال لا محالة وللعالم بكمال نفسه في علم وعمل ومال وغيره حالتان

إحداهما أن يكون خائفاً على زواله ومشفقاً على تكدره أو سلبه من أصله فهذا ليس بمعجب

والأخرى أن لا يكون خائفاً من زواله لكن يكون فرحاً به من حيث إنه نعمة من الله تعالى عليه لا من حيث إضافته إلى نفسه

<<  <  ج: ص:  >  >>