ولو ردد ألحانه بشعر أو كلام آخر لالتذ به ذلك الالتذاذ فهو مغرور إذ لم يتفقد قلبه فيعرفه أن لذته بكلام الله تعالى من حيث حسن نظمه ومعانيه أو بصوته
وفرقة أخرى اغتروا بالصوم وربما صاموا الدهر أو صاموا الْأَيَّامَ الشَّرِيفَةَ وَهُمْ فِيهَا لَا يَحْفَظُونَ أَلْسِنَتَهُمْ عن الغيبة وخواطرهم عن الرياء وبطونهم عَنِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ وَأَلْسِنَتَهُمْ عَنِ الْهَذَيَانِ بِأَنْوَاعِ الْفُضُولِ طُولَ النَّهَارِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُظَنُّ بِنَفْسِهِ الْخَيْرَ فَيُهْمِلُ الْفَرَائِضَ وَيَطْلُبُ النَّفْلَ ثُمَّ لَا يَقُومُ بِحَقِّهِ وَذَلِكَ غَايَةُ الْغُرُورِ
وفرقة أخرى اغْتَرُّوا بِالْحَجِّ فَيَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ خُرُوجٍ عَنِ الْمَظَالِمِ وَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَاسْتِرْضَاءِ الْوَالِدَيْنِ وَطَلَبِ الزَّادِ الْحَلَالِ وَقَدْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بَعْدَ سُقُوطِ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَيُضَيِّعُونَ فِي الطَّرِيقِ الصَّلَاةَ والفرائض ويعجزون عن طهارة الثوب والبدن ويتعرضون لمكس الظلمة حتى يؤخذ منهم ولا يحذرون في الطريق من الرفث والخصام وربما جمع بعضهم الحرام وأنفقه على الرفقاء في الطريق وهو يطلب به السمعة والرياء فيعصي الله تعالى في كسب الحرام أولاً وفي إنفاقه بالرياء ثانياً فلا هو أخذه من حله ولا هو وضعه في حقه ثم يحضر البيت بقلب ملوث برذائل الأخلاق وذميم الصفات لَمْ يُقَدِّمْ تَطْهِيرَهُ عَلَى حُضُورِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَظُنُّ أَنَّهُ عَلَى خَيْرٍ مِنْ رَبِّهِ فهو مغرور
وفرقة أخرى أخذت في طريق الحسبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينكر على الناس ويأمرهم بالخير وينسى نفسه وإذا أمرهم بالخير عنف وطلب الرياسة والعزة وإذا باشر منكراً ورد عليه غضب وقال أنا المحتسب فكيف تنكر علي وقد يجمع الناس إلى مسجده ومن تأخر عنه أغلظ القول عليه وإنما غرضه الرياء والرياسة ولو قام بتعهد المسجد غيره لحرد عليه بل منهم من يؤذن ويظن أنه يؤذن لله ولو جاء غيره وأذن في وقت غيبته قامت عليه القيامة وقال لم آخذ حقي وزوحمت على مرتبتي وكذلك قد يتقلد إمامة مسجد ويظن أنه على خير وإنما غرضه أن يقال إنه إمام مسجد فلو تقدم غيره وإن كان أورع وأعلم منه ثقل عليه
وفرقة أخرى جاوروا بمكة أو المدينة واغتروا بمكة وَلَمْ يُرَاقِبُوا قُلُوبَهُمْ وَلَمْ يُطَهِّرُوا ظَاهِرَهُمْ وَبَاطِنَهُمْ فَقُلُوبُهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِبِلَادِهِمْ مُلْتَفِتَةٌ إِلَى قَوْلِ مَنْ يعرفه أن فلاناً مجاور بذلك وتراه يتحدى ويقول قد جاورت بمكة كذا كذا سنة وإذا سمع أن ذلك قبيح ترك صريح التحدي وأحب أن يعرفه الناس بذلك ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يُجَاوِرُ وَيَمُدُّ عَيْنَ طَمَعِهِ إلى أوساخ أموال الناس وإذا جمع من ذلك شيئاً شح به وأمسكه لم تسمح نفسه بلقمة يتصدق بها على فقير فيظهر فيه الرياء والبخل والطمع وَجُمْلَةٌ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ كَانَ عَنْهَا بِمَعْزِلٍ لَوْ تَرَكَ الْمُجَاوَرَةَ وَلَكِنَّ حُبَّ الْمَحْمَدَةِ وَأَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مِنَ الْمُجَاوِرِينَ أَلْزَمَهُ الْمُجَاوَرَةَ مَعَ التَّضَمُّخِ بهذه الرذائل فهو أيضاً مغرور وما من عمل من الأعمال وعبادة من العبادات إلا وفيها آفات فمن لم يعرف مداخل آفاتها واعتمد عليها فهو مغرور ولا يعرف شرح ذلك إلا من جملة كتب إحياء علوم الدين فيعرف مداخل الغرور في الصلاة من كتاب الصلاة وفي الحج من كتاب الحج والزكاة والتلاوة وسائر القربات من الكتب التي رتبناها فيها وإنما الغرض الآن الإشارة إلى مجامع ما سبق في الكتب
وفرقة أخرى زَهِدَتْ فِي الْمَالِ وَقَنَعَتْ مِنَ اللِّبَاسِ وَالطَّعَامِ بالدون ومن المسكن بالمساجد وَظَنَّتْ أَنَّهَا أَدْرَكَتْ رُتْبَةَ الزُّهَّادِ وَهُوَ مَعَ ذلك راغب في الرياسة وَالْجَاهِ إِمَّا بِالْعِلْمِ أَوْ بِالْوَعْظِ أَوْ بِمُجَرَّدِ الزُّهْدِ فَقَدْ تَرَكَ أَهْوَنَ الْأَمْرَيْنِ وَبَاءَ بِأَعْظَمِ المهلكين فإن الجاه أعظم من المال ولو ترك الجاه وأخذ المال كان إلى السلامة أقرب فهذا