للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما أنهم يبنونها من أموال اكتسبوها من الظلم والنهب والرشا والجهات المحظورة فهم قد تعرضوا لسخط الله في كسبها وتعرضوا لسخطه في إنفاقها وكان الواجب عليهم الامتناع عن كسبها فإذن قد عصوا الله بكسبها فالواجب عليهم التوبة والرجوع إلى الله وردها إلى ملاكها إما بأعيانها وإما برد بدلها عند العجز فإن عجزوا عن الملاك كان الواجب ردها إلى الورثة فإن لم يبق للمظلوم وارث فالواجب صرفها إلى أهم المصالح وربما يَكُونُ الْأَهَمُّ التَّفْرِقَةَ عَلَى الْمَسَاكِينِ وَهُمْ لَا يفعلون ذلك خيفة من أن لا يظهر ذلك للناس فيبنون الأبنية بالآجر وغرضهم من بنائها الرياء وجلب الثناء وحرصهم على بقائها لبقاء أسمائهم المكتوبة فيها لا لبقاء الخير

والوجه الثاني أنهم يظنون بأنفسهم الإخلاص وقصد الخير في الإنفاق على الأبنية ولو كلف واحد منهم أن ينفق ديناراً ولا يكتب اسمه على الموضع الذي أنفق عليه لشق عليه ذلك ولم تسمح به نفسه والله مطلع عليه كتب اسمه أو لم يكتب ولولا أنه يريد به وجه الناس لا وجه الله لما افتقر إلى ذلك

وفرقة أخرى ربما اكتسبت المال من الحلال وأنفقت على المساجد وهي أيضاً مغرورة من وجهين

أحدهما

الرياء وطلب الثناء فإنه ربما يكون في جواره أو بلده فقراء وصرف المال إليهم أهم وأفضل وأولى من الصرف إلى بناء المساجد وزينتها وإنما يخف عليهم الصرف إلى المساجد ليظهر ذلك بين الناس

والثاني أنه يصرف إلى زخرفة المسجد وتزيينه بالنقوش التي هي منهي عنها وشاغلة قلوب المصلين ومختطفة أبصارهم (١) حديث إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم أخرجه ابن المبارك في الزهد وأبو بكر ابن أبي داود في كتاب المصاحف موقوفاً على أبي الدرداء

وقال الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبني مسجد المدينة أتاه جبريل عليه السلام فقال له ابنه سبعة أذرع طولاً في السماء لا تزخرفه ولا تنقشه // حديث الحسن مرسلا لما أراد أن يبني مسجد المدينة أتاه جبريل فقال ابنه سبعة أذرع طولاً في السماء ولا تزخرفه ولا تنقشه لم أجده

فغرور هذا من حيث أنه رأى المنكر واتكل عليه

وفرقة أخرى ينفقون الأموال في الصدقات على الفقراء والمساكين ويطلبون به المحافل الجامعة ومن


(١) حديث النهي عن زخرفة المساجد وتزيينها بالنقوش أخرجه البخاري من قول عمر بن الخطاب أكن الناس ولا تحمر ولا تصفر
وَالْمَقْصُودُ مِنَ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ وَحُضُورُ الْقَلْبِ وَذَلِكَ يفسد قلوب المصلين ويحبط ثوابهم بذلك ووبال ذَلِكَ كُلِّهِ يَرْجِعُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يغتر به ويرى أنه من الخيرات ويعد ذلك وسيلة إلى الله تعالى وهو مع ذلك قد تعرض لسخط الله تعالى وهو يظن أنه مطيع له وممتثل لأمره وقد شوش قلوب عباد الله بما زخرفه من المسجد وربما شوقهم به إلى زخارف الدنيا فيشتهون مثل ذلك في بيوتهم ويشتغلون بطلبه ووبال ذلك كله في رقبته إذ المسجد للتواضع ولحضور القلب مع الله تعالى
قال مالك بن دينار أتى رجلان مسجداً فوقف أحدهما على الباب وقال مثلي لا يدخل بيت الله فكتبه الملكان عند الله صديقاً
فهكذا ينبغي أن تعظم المساجد وهو أن يرى تلويث المسجد بدخوله فيه بنفسه جناية على المسجد لا أن يرى تلويث المسجد بالحرام أو بزخرف الدنيا منة على الله تعالى
وقال الحواريون للمسيح عليه السلام انظر إلى هذا المسجد ما أحسنه فقال أمتي أمتي بحق أقول لكم لا يترك الله من هذا المسجد حجراً قائماً على حجر إلا أهلكه بذنوب أهله إن الله لا يعبأ بالذهب والفضة ولا بهذه الحجارة التي تعجبكم شيئاً وإن أحب الأشياء إلى الله تعالى القلوب الصالحة بها يعمر الله الأرض وبها يخرب إذا كانت على غير ذلك وقال أبو الدرداء قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم

<<  <  ج: ص:  >  >>