للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخلق الطعام اللذيذ وخلق الشهوة للطعام في المعدة وخلق العلم في القلب بأن هذا الطعام يسكن الشهوة وخلق الخواطر المتعارضة في أن هذا الطعام هل فيه مضرة مع أنه يسكن الشهوة وهل دون تناوله مانع يتعذر معه تناوله أم لا ثم خلق العلم بأنه لا مانع ثم عند اجتماع هذه الأسباب تنجزم الإرادة الباعثة على التناول فانجزام الإرادة بعد تردد الخواطر المتعارضة وبعد وقوع الشهوة للطعام يسمى اختياراً ولا بد من حصوله عند تمام أسبابه فإذا حصل انجزام الإرادة بخلق الله تعالى إياها تحركت اليد الصحيحة إلى جهة الطعام لا محالة إذ بعد تمام الإرادة والقدرة يكون حصول الفعل ضرورياً فتحصل الحركة فتكون الحركة بخلق الله بعد حصول القدرة وانجزام الإرادة وهما أيضاً من خلق الله وانجزام الإرادة يحصل بعد صدق الشهوة والعلم بعدم الموانع وهما أيضاً من خلق الله تعالى ولكن بعض هذه المخلوقات يترتب على البعض ترتيباً جرت به سنة الله تعالى في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً فلا يخلق الله حركة اليد بكتابة منظومة ما لم يخلق فيها صفة تسمى قدرة وما لم يخلق فيها حياة وما لم يخلق إرادة مجزومة ولا يخلق الإرادة المجزومة ما لم يخلق شهوة وميلاً في النفس ولا ينبعث هذا الميل انبعاثاً تاماً ما لم يخلق علماً بأنه موافق للنفس إما في الحال أو في المآل ولا يخلق العلم أيضا إلا بأسباب أخر ترجع إلى حركة وإرادة وعلم فالعلم والميل الطبيعي أبداً يستتبع الإرادة الجازمة والقدرة والإرادة أبداً تستردف الحركة وهكذا الترتيب في كل فعل والكل من اختراع الله تعالى ولكن بعض مخلوقاته شرط لبعض فلذلك يجب تقدم البعض وتأخر البعض كما لا تخلق الإرادة إلا بعد العلم ولا يخلق العلم إلا بعد الحياة ولا تخلق الحياة إلا بعد الجسم فيكون خلق الجسم شرطاً لحدوث الحياة لا أن الحياة تتولد من الجسم ويكون خلق الحياة شرطاً لخلق العلم لا أن العلم يتولد من الحياة ولكن لا يستعد المحل لقبول العلم إلا إذا كان حياً ويكون خلق العلم شرطاً لجزم الإرادة لا أن العلم يولد الإرادة ولكن لا يقبل الإرادة إلا جسم حي عالم ولا يدخل في الوجود إلا ممكن والإمكان ترتيب لا يقبل التغيير لأن تغييره محال فمهما وجد شرط الوصف استعد المحل به لقبول الوصف فحصل ذلك الوصف من الجود الإلهي والقدرة الأزلية عند حصول الاستعداد ولما كان للاستعداد بسبب الشروط ترتيب كان لحصول الحوادث بفعل الله تعالى ترتيب والعبد مجري هذه الحوادث المرتبة وهي مرتبة في قضاء الله تعالى الذي هو واحد كلمح البصر ترتيباً كلياً لا يتغير وظهورها بالتفصيل مقدر بقدر لا يتعداها وعنه العبارة بقوله تعالى إنا كل شيء خلقناه بقدر وعن القضاء الكلي الأزلي العبارة بقوله تعالى وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر وأما العباد فإنهم مسخرون تحت مجاري القضاء والقدر ومن جملة القدر خلق حركة في يد الكاتب بعد خلق صفة مخصوصة في يده تسمى القدرة وبعد خلق ميل قوى جازم في نفسه يسمى القصد وبعد علم بما إليه ميله يسمى الإدراك والمعرفة فإذا ظهرت من باطن الملكوت هذه الأمور الأربعة على جسم عبد مسخر تحت قهر التقدير سبق أهل عالم الملك والشهادة المحجوبون عن عالم الغيب والملكوت وقالوا يا أيها الرجل قد تحركت ورميت وكتبت ونودي من وراء حجاب الغيب وسرادقات الملكوت وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وما قتلت إذ قتلت ولكن قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم وعند هذا تتحير عقول القاعدين في بحبوحة عالم الشهادة فمن قائل إنه جبر محض ومن قائل إنه اختراع صرف ومن متوسط مائل إلى أنه كسب ولو فتح لهم أبواب السماء فنظروا إلى عالم الغيب والملكوت لظهر لهم أن كل واحد صادق من وجه وأن القصور شامل لجميعهم فلم يدرك واحد منهم كنه هذا الأمر ولم يحط علمه بجوانبه وتمام علمه ينال بإشراق النور من كوة نافذة إلى عالم الغيب وأنه تعالى عالم الغيب والشهادة لا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول وقد يطلع على الشهادة

<<  <  ج: ص:  >  >>