محال ولكن الله تعالى عزل هؤلاء الحمقى عن معرفة أسراره فقال وما يعقلها إلا العالمون ولا يدري المسكين أن من قال رأيت في منامي أنه جيء بكبش وقيل هذا هو الوباء الذي في البلد وذبح فقال المعبر صدقت والأمر رأيت وهذا يدل على أن هذا الوباء ينقطع ولا يعود قط لأن المذبوح وقع اليأس منه فإذن المعبر صادق في تصديقه وهو صادق في رؤيته وترجع حقيقة ذلك إلى أن الموكل بالرؤيا وهو الذي يطلع الأرواح عند النوم على ما في اللوح المحفوظ عرفه بما في اللوح المحفوظ بمثال ضربه له لأن النائم إنما يحتمل المثال فكان مثاله صادقاً وكان معناه صحيحاً فالرسل أيضاً إنما يكلمون الناس في الدنيا وهي بالإضافة إلى الآخرة نوم فيوصلون المعاني إلى أفهامهم بالأمثلة حكمة من الله ولطفاً بعباده وتيسيراً لإدراك ما يعجزون عن إدراكه دون ضرب المثل فقوله يؤتى بالموت في صورة كبش أملح مثال ضربه ليوصل إلى الأفهام حصول اليأس من الموت وقد جبلت القلوب على التأثر بالأمثلة وثبوت المعاني فيها بواسطتها ولذلك عبر القرآن بقوله كن فيكون عن نهاية القدرة وعبر صلى الله عليه وسلم بقوله قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن عن سرعة التقليب وقد أشرنا إلى حكمة ذلك في كتاب قواعد العقائد من ربع العبادات فلنرجع الآن إلى الغرض فالمقصود أن تعريف توزع الدرجات والدركات على الحسنات والسيئات لا يمكن إلا بضرب المثال فلنفهم من المثل الذي نضربه معناه لا صورته فنقول الناس في الآخرة ينقسمون أصنافاً وتتفاوت درجاتهم ودركاتهم في السعادة والشقاوة تفاوتاً لا يدخل تحت الحصر كما تفاوتوا في سعادة الدنيا وشقاوتها ولا تفارق الآخرة في هذا المعنى أصلاً البتة فإن مدبر الملك والملكوت واحد لا شريك له وسنته الصادرة عن إرادته الأزلية مطردة لا تبديل لها إلا أنا إن عجزنا عن إحصاء آحاد الدرجات فلا نعجز عن إحصاء الأجناس فنقول الناس ينقسمون في الآخرة بالضرورة إلى أربعة أقسام هالكين ومعذبين وناجين وفائزين ومثاله في الدنيا أن يستولي ملك من الملوك على إقليم فيقتل بعضهم فهم الهالكون ويعذب بعضهم مدة ولا يقتلهم فهم المعذبون ويخلى بعضهم فهم الناجون ويخلع على بعضهم فهم الفائزون فإن كان الملك عادلاً لم يقسمهم كذلك إلا باستحقاق فلا يقتل إلا جاحداً لاستحقاق الملك معانداً له في أصل الدولة ولا يعذب إلا من قصر في خدمته مع الاعتراف بملكه وعلو درجته ولا يخلي إلا معترفاً له برتبة الملك لكنه لم يقصر ليعذب ولم يخدم ليخلع عليه ولا يخلع إلا على من أبلى عمره في الخدمة والنصرة ثم ينبغي أن تكون خلع الفائزين متفاوتة الدرجات بحسب درجاتهم في الخدمة وإهلاك الهالكين إما تحقيقا بجز الرقبة أو تنكيلاً بالمثلة بحسب درجاتهم في المعاندة وتعذيب المعذبين في الخفة والشدة وطول المدة وقصرها واتحاد أنواعها واختلاقها بحسب درجات تقصيرهم فتقسم كل رتبة من هذه الرتب إلى درجات لا تحصى ولا تنحصر فكذلك فافهم أن الناس في الآخرة هكذا يتفاوتون فمن هالك ومن معذب مدة ومن ناج يحل في دار السلامة ومن فائز والفائزون ينقسمون إلى من يحلون في جنات عدن أو جنات المأوى أو جنات الفردوس والمعذبون ينقسمون إلى من يعذب قليلاً وإلى من يعذب ألف سنة إلى سبعة آلف سنة وذلك آخر من يخرج من النار كما ورد في الخبر (١) وكذلك الهالكون الآيسون من رحمة الله تتفاوت دركاتهم وهذه الدرجات بحسب اختلاف الطاعات والمعاصي فلنذكر كيفية توزعها عليها
(١) حديث أن آخر من يخرج من النار يعذب سبعة آلأف سنة أخرجه الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث أبى هريرة في بسند ضعيف في حديث قال فيه وأطولهم مكثا فيه مثل الدنيا من يوم خلقت إلى يوم القيامة وذلك سبعة آلاف سنة