للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى أنه لا يحل له ذلك الميراث ويلزمه إعادة النكاح ولذلك كان حذيفة رضي الله عنه لا يحضر جنازة من يموت من المنافقين وعمر رضي الله عنه كان يراعي ذلك منه فلا يحضر إذا لم يحضر حذيفة رضي الله عنه والصلاة فعل ظاهر في الدنيا وإن كانت من العبادات

والتوقي عن الحرام أيضاً من جملة ما يجب لله كالصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم طلب الحلال فريضة بعد فريضة وليس هذا مناقضاً لقولنا إن الإرث حكم الإسلام وهو الاستسلام بل الاستسلام التام هو ما يشمل الظاهر والباطن وهذه مباحث فقهية ظنية تبنى على ظواهر الألفاظ والعمومات والأقيسة فلا ينبغي أن يظن القاصر في العلوم أن المطلوب فيه القطع من حيث جرت العادة بإيراده في فن الكلام الذي يطلب فيه القطع فما أفلح من نظر إلى العادات والمراسم في العلوم

فإن قلت فما شبهة المعتزلة والمرجئة وما حجة بطلان قولهم فأقول شبهتهم عمومات القرآن أما المرجئة فقالوا لا يدخل المؤمن النار وإن أتى بكل المعاصي لقوله عز وجل {فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً} ولقوله سبحانه وتعالى {والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون} الآية ولقوله تعالى كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها إلى قوله فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء فقوله {كلما ألقى فيها فوج} عام فينبغي أن يكون من ألقي في النار مكذباً ولقوله تعالى {لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى} وهذا حصر وإثبات ونفي ولقوله تعالى {من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون} فالإيمان رأس الحسنات ولقوله تعالى {والله يحب المحسنين} وقال تعالى {إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً} ولا حجة لهم في ذلك فإنه حيث ذكر الإيمان في هذه الآيات أريد به الإيمان مع العمل إذ بينا أن الإيمان قد يطلق ويراد به الإسلام وهو الموافقة بالقلب والقول والعمل ودليل هذا التأويل أخبار كثيرة في معاقبة العاصين ومقادير العقاب وقوله صلى الله عليه وسلم يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان فكيف يخرج إذا لم يدخل ومن القرآن قوله تعالى {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} والاستثناء بالمشيئة يدل على الانقسام وقوله تعالى {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها} وتخصيصه بالكفر تحكم وقوله تعالى {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} وقال تعالى {ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار} فهذه العمومات في معارضة عموماتهم ولا بد من تسليط التخصص والتأويل على الجانبين لأن الأخبار مصرحة بأن العصاة يعذبون (١) بل قوله تعالى وإن منكم إلا واردها كالصريح في أن ذلك لا بد منه للكل إذ لا يخلو مؤمن عن ذنب يرتكبه وقوله تعالى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى أراد به من جماعة مخصوصين أو أراد بالأشقى شخصاً معيناً أيضاً وقوله تعالى كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها أي فوج من الكفار وتخصيص العمومات قريب

ومن هذه الآية وقع للأشعري وطائفة من المتكلمين إنكار صيغ العموم وأن هذه الألفاظ يتوقف فيها إلى ظهور قرينة تدل على معناها

وأما المعتزلة فشبهتهم قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وعمل صالحاً ثم اهتدى وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حتماً مقضياً {ثم قال} ثم ننجي الذين اتقوا وقوله تعالى ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم وكل آية ذكر الله عز وجل العمل الصالح فيها مقروناً بالإيمان وقوله تعالى ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وهذه العمومات أيضاً مخصوصة بدليل قوله تعالى


(١) حديث تعذيب العصاة أخرجه البخاري من حديث أنس ليصيبن أقواما سنع من النار بذنوب أصابوها الحديث ويأتي في ذكر الموت عدة أحاديث

<<  <  ج: ص:  >  >>