في قهرها لكنه تسول نفسه ويسوف توبته مرة بعد أخرى ويوماً بَعْدَ يَوْمٍ فَهَذِهِ النَّفْسُ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى النَّفْسُ الْمُسَوِّلَةُ وَصَاحِبُهَا مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالحاً وآخر سيئاً فَأَمْرُهُ مِنْ حَيْثُ مُوَاظَبَتِهُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَكَرَاهَتُهُ لِمَا تَعَاطَاهُ مَرْجُوٌّ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِ وَعَاقِبَتُهُ مَخَطَّرَةٌ مِنْ حَيْثُ تَسْوِيفُهُ وَتَأْخِيرُهُ فربما بختطف قبل التوبة ويقع أمره في المشيئة فإن تداركه الله بفضله وجبر كسره وامتن عليه بالتوبة التحق بالسابقين وإن غلبته شقوته وقهرته شهوته فيخشى أن يحق عليه في الخاتمة ما سبق عليه من القول في الأزل لأنه مهما تعذر على المتفقه مثلاً الاحتراز عن شواغل التعلم دل تعذره على أنه سبق له في الأزل أن يكون من الجاهلين فيضعف الرجاء في حقه وإذا يسرت له أسباب المواظبة على التحصيل دل على أنه سبق له في الأزل أن يكون من جملة العالمين فكذلك ارتباط سعادات الآخرة ودركاتها بالحسنات والسيئات بحكم تقدير مسبب الأسباب كارتباط المرض والصحة بتناول الأغذية والأدوية وارتباط حصول فقه النفس الذي به تستحق المناصب العلية في الدنيا بترك الكسل والمواظبة على تفقيه النفس فكما لا يصلح لمنصب الرياسة والقضاء والتقدم بالعلم إلا نفس صارت فقيهة بطول التفقيه فلا يصلح لملك الآخرة ونعيمها ولا القرب من رب العالمين إلا قلب سليم صار طاهراً بطول التزكية والتطهير هكذا سبق في الأزل بتدبير رب الأرباب ولذلك قال تعالى ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها فمهما وقع العبد في ذنب فصار الذنب نقداً والتوبة نسيئة كان هذا من علامات الخذلان قال صلى الله عليه وسلم إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة حتى يقول الناس إنه من أهلها ولا يبقى بينه وبين الجنة إلا شبر فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها (١) فإذن الخوف من الخاتمة قبل التوبة وكل نفس فهو خاتمة ما قبله إذ يمكن أن يكون الموت متصلاً به فليراقب الأنفاس وإلا وقع في المحذور ودامت الحسرات حين لا ينفع التحسر
الطَّبَقَةُ الرَّابِعَةُ أَنْ يَتُوبَ وَيَجْرِيَ مُدَّةً عَلَى الاستقامة ثم يعود إلى مقارفة الذنب أو الذنوب مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحَدِّثَ نَفْسَهُ بِالتَّوْبَةِ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَأَسَّفَ عَلَى فِعْلِهِ بَلْ يَنْهَمِكُ انْهِمَاكَ الْغَافِلِ فِي اتِّبَاعِ شَهَوَاتِهِ فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُصِرِّينَ وَهَذِهِ النَّفْسُ هِيَ النَّفْسُ الْأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ الْفَرَّارَةُ مِنَ الْخَيْرِ وَيُخَافُ عَلَى هَذَا سوء الخاتمة وأمره في مشيئة الله فإن ختم له بالسوء شقي شقاوة لا آخر لها وإن ختم له بالحسنى حتى مات على التوحيد فينتظر له الخلاص من النار ولو بعد حين ولا يستحيل أن يشمله عموم العفو بسبب خفي لا تطلع عليه كما لا يستحل أن يدخل الإنسان خراباً ليجد كنزاً فيتفق أن يجده وأن يجلس في البيت ليجعله الله عالماً بالعلوم من غير تعلم كما كان الأنبياء صلوات الله عليهم فَطَلَبُ الْمَغْفِرَةِ بِالطَّاعَاتِ كَطَلَبِ الْعِلْمِ بِالْجُهْدِ وَالتَّكْرَارِ وطلب المال بالتجارة وركوب البحار وطلبها بمجرد الرجاء مع خراب الأعمال كطلب الكنور في المواضع الخربة وطلب العلوم من تعليم الملائكة وليت من اجتهد تعلم وليت من اتجر استغنى وليت من صام وصلى غفر له فالناس كلهم محرومون إلا العالمون والعالمون كلهم محرومون إلا العاملون والعاملون كلهم محرومون إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم وكما أَنَّ مَنْ خَرَّبَ بَيْتَهُ وَضَيَّعَ مَالَهُ وَتَرَكَ نَفْسَهُ وَعِيَالَهُ جِيَاعًا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ فَضْلَ اللَّهِ بِأَنْ يَرْزُقَهُ كَنْزًا يَجِدُهُ تَحْتَ الْأَرْضِ في بيته الخرب يعد عنه ذوي البصائر من الحمقى والمغرورين وإن كان ما ينتظره غير مستحيل في قدرة الله تعالى وفضله فكذلك من ينتظر
(١) حديث إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة الحديث متفق عليه من حديث سهل بن سعد دون قوله سبعين سنة ولمسلم من حديث أبى هريرة إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة الحديث ولأحمد من رواية شهر بن حوشب عن أبى هريرة إن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة وشهر مختلف فيه