للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون الحكم لأبيها على خصمه لمكانها منه فسلب ملكه أربعين يوماً فهرب تائهاً على وجهه فكان يسأل بكفه فلا يطعم فإذا قال أطعموني فإني سليمان بن داود رشج وطرد وضرب وحكى أنه استطعم من بيت لامرأته فطردته وبصقت في وجهه وفي رواية أخرجت عجوز جرة فيها بول فصبته على رأسه إلى أن أخرج الله الخاتم من بطن الحوت فلبسه بعد انقضاء الأربعين أيام العقوبة قال فجاءت الطيور فعكفت على رأسه وجاءت الجن والشياطين والوحوش فاجتمعت حوله فاعتذر إليه بعض من كان جنى عليه فقال لا ألومكم فيما فعلتم من قبل ولا أحمدكم في عذركم الآن إن هذا أمر كان من السماء ولا بد منه وروي في الإسرائيليات أن رجلاً تزوج امرأة من بلدة أخرى فأرسل عبده ليحملها إليه فراودته نفسه وطالبته بها فجاهدها واستعصم قال فنبأه الله ببركة تقواه فكان نبياً في بني إسرائيل وفي قصص موسى عليه السلام أنه قال للخضر عليه السلام بم أطلعك الله على علم الغيب قال بتركي المعاصي لأجل الله تعالى وروي أن الريح كانت تسير بسليمان عليه السلام فنظر إلى قميصه نظرة وكان جديدا فكأنه أعجبه قال فوضعته الريح فقال لم فعلت هذا ولم آمرك قالت إنما نطيعك إذا أطعت الله وروي أن الله تعالى أوحى إلى يعقوب عليه السلام أتدري لم فرقت بينك وبين ولدك يوسف قال لا قال لقولك لأخوته أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون لم خفت عليه الذئب ولم ترجني ولم نظرت إلى غفلة أخوته ولم تنظر إلى حفظي له وتدري لم رددته عليك قال لا قال لأنك رجوتني وقلت {عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً} وبما قلت اذهبو فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا وكذلك لما قال يوسف لصاحب الملك {اذكرني عند ربك} قال الله تعالى {فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين}

وأمثال هذه الحكايات لا تنحصر ولم يُرِدْ بِهَا الْقُرْآنُ وَالْأَخْبَارُ وُرُودَ الْأَسْمَارِ بَلِ الْغَرَضُ بِهَا الِاعْتِبَارُ وَالِاسْتِبْصَارُ لِتَعْلَمَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَمْ يُتَجَاوَزْ عَنْهُمْ فِي الذُّنُوبِ الصِّغَارِ فَكَيْفَ يُتَجَاوَزُ عَنْ غَيْرِهِمْ فِي الذُّنُوبِ الكبار نعم كانت سعادتهما في أن عوجلوا بالعقوبة ولم يؤخروا إلى الآخرة والأشقياء يمهلون ليزدادوا إثماً ولأن عذاب الآخرة أشد وأكبر فَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يَكْثُرَ جِنْسُهُ عَلَى أَسْمَاعِ الْمُصِرِّينَ فَإِنَّهُ نَافِعٌ فِي تَحْرِيكِ دواعي التوبة

النوع الثَّالِثُ أَنْ يُقَرِّرَ عِنْدَهُمْ أَنَّ تَعْجِيلَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا مُتَوَقَّعٌ عَلَى الذُّنُوبِ وَأَنَّ كُلَّ مَا يُصِيبُ الْعَبْدَ مِنَ الْمَصَائِبِ فَهُوَ بِسَبَبِ جناياته فرب عبد يتساهل في أمر الآخرة ويخاف من عقوبة الله في الدنيا أكثر لفرط جهله فينبغي أن يخوف به فإن الذنوب كلها يتعجل في الدنيا شؤمها في غالب الأمر كما حكي في قصة داود وسليمان عليهما السلام حتى إنه قد يضيق على العبد رزقه بسبب ذنوبه وقد تسقط منزلته من القلوب ويستولي عليه أعداؤه قال صلى الله عليه وسلم إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ (١) وَقَالَ ابن مسعود إني لأحسب أن العبد ينسى العلم بالذنب يصيبه وهو معنى قوله عليه السلام من قارف ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبداً (٢) وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَيْسَتِ اللَّعْنَةُ سَوَادًا فِي الوجه ونقصاً فِي الْمَالِ إِنَّمَا اللَّعْنَةُ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا وَقَعْتَ فِي مِثْلِهِ أَوْ شَرٍّ مِنْهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ هِيَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ فَإِذَا لَمْ يُوَفَّقْ لِلْخَيْرِ وَيُسِّرَ لَهُ الشَّرُّ فَقَدْ أُبْعِدَ وَالْحِرْمَانُ عَنْ رِزْقِ التَّوْفِيقِ أَعْظَمُ حِرْمَانٍ وَكُلُّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى ذَنْبٍ آخَرَ وَيَتَضَاعَفُ فَيُحْرَمُ الْعَبْدُ به عن رزقه النافع من مجالسة


(١) حديث إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه أخرجه ابن ماجه والحاكم وصحيح إسناده واللفظ له إلا أنه قال الرجل بدل العبد من حديث ثوبان
(٢) حديث من قارف ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبدا تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>