فإن قلت فبماذا تنال درجة الصبر في المصائب وليس الأمر إلى اختياره فهو مضطر شاء أم أبى فإن كان المراد به أن لا تكون في نفسه كراهية المصيبة فذلك غير داخل في اختيار فاعلم أنه إنما يخرج عن مقام الصابرين بالجزع وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَضَرْبِ الْخُدُودِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الشَّكْوَى وَإِظْهَارِ الْكَآبَةِ وَتَغْيِيرِ الْعَادَةِ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَفْرَشِ والمطعم وهذه الْأُمُورَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ اخْتِيَارِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ جميعها ويظهر الرضا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَبْقَى مُسْتَمِرًّا عَلَى عَادَتِهِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَدِيعَةً فَاسْتُرْجِعَتْ كَمَا روي عن الرميصاء أم سليم رحمها الله أنها قَالَتْ تُوُفِّيَ ابْنٌ لِي وَزَوْجِي أبو طلحة غائب فقمت فسجيته في ناحية البيت فقدم أبو طلحة فقمت فَهَيَّأْتُ لَهُ إِفْطَارَهُ فَجَعَلَ يَأْكُلُ فَقَالَ كَيْفَ الصبي قلت بأحسن حال بحمد الله ومنه فإنه لَمْ يَكُنْ مُنْذُ اشْتَكَى بِأَسْكَنَ مِنْهُ اللَّيْلَةَ ثُمَّ تَصَنَّعْتُ لَهُ أَحْسَنَ مَا كُنْتُ أَتَصَنَّعُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى أَصَابَ مِنِّي حَاجَتَهُ ثُمَّ قُلْتُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ جِيرَانِنَا قَالَ مَا لَهُمْ قُلْتُ أُعِيرُوا عَارِيَةً فَلَمَّا طُلِبَتْ مِنْهُمْ وَاسْتُرْجِعَتْ جَزِعُوا فَقَالَ بِئْسَ مَا صَنَعُوا فَقُلْتُ هَذَا ابْنُكَ كَانَ عَارِيَةً مِنَ اللَّهِ تعالى وإن الله قد قَبَضَهُ إِلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره فقال اللهم بارك لهما في ليلتهما