للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرضا بقضاء الله قيل وكيف ذلك قال الراضي لا يتمنى فوق منزلته وقيل حبس الشبلي رحمه الله في المارستان فدخل عليه جماعة فقال من أنتم قالوا أحباؤك جاءوك زائرين فأخذ يرميهم بالحجارة فأخذوا يهربون فقال لو كنتم أحبائي لصبرتم على بلائي وكان بعض العارفين في جيبه رقعة يخرجها كل ساعة ويطالعها وكان فيها {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} ويقال أن امرأة فتح الموصلي عثرت فانقطع ظفرها فضحكت فقيل لها أما تجدين الوجع فقالت إن لذة ثوابه أزالت عن قلبي مرارة وجعه وقال داود لسليمان عليهما السلام يستدل على تقوى المؤمن بثلاث حسن التوكل فيما لم ينل وحسن الرضا فيما قد نال وحسن الصبر فيما قد فات وقال نبينا صلى الله عليه وسلم من إجلال الله ومعرفة حقه أن لا تشكو وجعك ولا تذكر مصيبتك (١) قَالَ الرَّاوِي فَلَقَدْ رَأَيْتُ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ في المسجد سبعة كلهم قد قرءوا القرآن وروى جابر أنه عليه السلام قال رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأة أبي طلحة وقد قيل الصبرالجميل هو ان لا يعرف صاحب المصيبة من غيره وَلَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الصَّابِرِينَ تَوَجُّعُ الْقَلْبِ ولا فيضان العين بالدمع إذ يكون من جميع الحاضرين لأجل الموت سواء ولأن البكاء توجع القلب على الميت فإن ذلك مقتضى البشرية ولا يفارق الإنسان إلى الموت وَلِذَلِكَ لَمَّا مَاتَ إبراهيم وَلَدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقِيلَ لَهُ أما نهيتنا عن هذا فقال إن هَذِهِ رَحْمَةٌ وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرحما بل ذلك أيضاً لا يخرج عن مقام الرضا فالمقدم على الحجامة والفصد راض به وهو متألم بسببه لا محالة وقد تفيض عيناه إذا عظم ألمه وسيأتي


(١) ويروى عن بعض الصالحين أنه خرج يوماً وفي كمه صرة فافتقدها فإذا هي قد أخذت من كمه فقال بارك الله له فيها لعله أحوج إليها مني وروي عن بعضهم أنه قال مررت على سالم مولى أبي حذيفة في القتلى وبه رمق فقلت له أسقيك ماء فقال جرني قليلاً إلى العدو واجعل الماء في الترس فإني صائم فإن عشت إلى الليل شربته فهكذا كان صبر سالكي طريق الآخرة على بلاء الله تعالى
فإن قلت فبماذا تنال درجة الصبر في المصائب وليس الأمر إلى اختياره فهو مضطر شاء أم أبى فإن كان المراد به أن لا تكون في نفسه كراهية المصيبة فذلك غير داخل في اختيار فاعلم أنه إنما يخرج عن مقام الصابرين بالجزع وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَضَرْبِ الْخُدُودِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الشَّكْوَى وَإِظْهَارِ الْكَآبَةِ وَتَغْيِيرِ الْعَادَةِ فِي الْمَلْبَسِ وَالْمَفْرَشِ والمطعم وهذه الْأُمُورَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ اخْتِيَارِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْتَنِبَ جميعها ويظهر الرضا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَبْقَى مُسْتَمِرًّا عَلَى عَادَتِهِ وَيَعْتَقِدُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَدِيعَةً فَاسْتُرْجِعَتْ كَمَا روي عن الرميصاء أم سليم رحمها الله أنها قَالَتْ تُوُفِّيَ ابْنٌ لِي وَزَوْجِي أبو طلحة غائب فقمت فسجيته في ناحية البيت فقدم أبو طلحة فقمت فَهَيَّأْتُ لَهُ إِفْطَارَهُ فَجَعَلَ يَأْكُلُ فَقَالَ كَيْفَ الصبي قلت بأحسن حال بحمد الله ومنه فإنه لَمْ يَكُنْ مُنْذُ اشْتَكَى بِأَسْكَنَ مِنْهُ اللَّيْلَةَ ثُمَّ تَصَنَّعْتُ لَهُ أَحْسَنَ مَا كُنْتُ أَتَصَنَّعُ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى أَصَابَ مِنِّي حَاجَتَهُ ثُمَّ قُلْتُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ جِيرَانِنَا قَالَ مَا لَهُمْ قُلْتُ أُعِيرُوا عَارِيَةً فَلَمَّا طُلِبَتْ مِنْهُمْ وَاسْتُرْجِعَتْ جَزِعُوا فَقَالَ بِئْسَ مَا صَنَعُوا فَقُلْتُ هَذَا ابْنُكَ كَانَ عَارِيَةً مِنَ اللَّهِ تعالى وإن الله قد قَبَضَهُ إِلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبره فقال اللهم بارك لهما في ليلتهما

<<  <  ج: ص:  >  >>