مِنْ جِنْسِهِ مَا يُغْنِي عَنِ الْمَحْظُورَاتِ مِنْهُ وهذا هو العلاج الأنفع في حق الأكثر فإن قطع الغذاء يضعف عن سائر الأعمال ثم قد لا يقمع الشهوة في حق أكثر الرجال ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عليكم بالباءة فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء //
فهذه ثلاثة أسباب فالعلاج الأول وهو قطع الطعام يضاهي قطع العلف عن البهيمة الجموح وعن الكلب الضاري ليضعف فتسقط قوته الثاني يضاهي تغيب اللحم عن الكلب وتغييب الشعير عن البهيمة حتى لا تتحرك بواطنها بسبب مشاهدتها والثالث يضاهي تسليتها بشيء قليل مما يميل إليه طبعها حتى يبقى معها من القوة ما تصبر به على التأديب
وأما تَقْوِيَةُ بَاعِثِ الدِّينِ فَإِنَّمَا تَكُونُ بِطَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا إِطْمَاعُهُ فِي فَوَائِدِ الْمُجَاهَدَةِ وَثَمَرَاتِهَا فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَذَلِكَ بِأَنْ يُكْثِرَ فِكْرَهُ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا فِي فَضْلِ الصَّبْرِ وَفِي حُسْنِ عواقبه في الدنيا والآخرة وفي الأثر إن ثواب الصبر على المصيبة اكثر مما فات وانه بسبب ذلك مغبوط بالمصيبة إذ فاته ما لا يبقى معه إلا مدة الحياة وحصل له ما يبقى بعد موته أبد الدهر ومن أسلم خسيساً في نفيس فلا ينبغي أن يحزن لفوات الخسيس في الحال وهذا من باب المعارف وهو من الإيمان فتارة يضعف وتارة يقوى فإن قوي قوى باعث الدين وهيجه تهييجاً شديداً وإن ضعف ضعفه وإنما قوة الإيمان يعبر عنها باليقين وهو المحرك لعزيمة الصبر وأقل ما أوتي الناس اليقين وعزيمة الصبر
والثاني أن يعود هذا الباعث مصارعة باعث الهوى تدريجاً قليلاً قليلاً حتى يدرك لذة الظفر بها فيستجريء عليها وتقوى منته في مصارعتها فإن الاعتياد والممارسة للأعمال الشاقة تؤكد القوى التي تصدر منها تلك الأعمال ولذلك تزيد قوة الحمالين والفلاحين والمقاتلين وبالجملة فقوة الممارسين للأعمال الشاقة تزيد على قوة الخياطين والعطارين والفقهاء والصالحين وذلك لأن قواهم لم تتأكد بالممارسة
فالعلاج الأول يضاهي إطماع المصارع بالخلعة عند الغلبة ووعده بأنواع الكرامة كما وعد فرعون سحرته عند إغرائه إياهم بموسى حيث قال صلى الله عليه وسلم وإنكم إذاً لمن المقربين
والثاني يضاهي تعويد الصبي الذي يراد منه المصارعة والمقاتلة بمباشرة أسباب ذلك منذ الصبا حتى يأنس به ويستجرىء عليه وتقوى فيه منته فمن ترك بالكلية المجاهدة بالصبر ضعف فيه باعث الدين ولا يقوى على الشهوة وإن ضعفت وَمَنْ عَوَّدَ نَفْسَهُ مُخَالَفَةَ الْهَوَى غَلَبَهَا مَهْمَا أَرَادَ
فَهَذَا مِنْهَاجُ الْعِلَاجِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصبر ولا يمكن استيفاؤه وإنما أشدها كف الباطن عن حديث النفس وإنما يشتد ذلك على من تفرغ له بأن قمع الشهوات الظاهرة وآثر العزلة وجلس للمراقبة والذكر والفكر فإن الوسواس لا يزال يجاذبه من جانب إلى جانب وهذا لا علاج له البتة إلا قطع العلائق كلها ظاهراً وباطناً بالفرار عن الأهل والولد والمال والجاه والرفقاء والأصدقاء ثم الاعتزال إلى زاوية بعد إحراز قدر يسير من القوت وبعد القناعة به ثم كل ذلك لا يكفي ما لم تصر الهموم هماً واحداً وهو الله تعالى ثم إذا غلب ذلك على القلب فلا يكفي ذلك مالم لم يكن له مجال في الفكر وسير بالباطن في ملكوت السموات والأرض وعجائب صنع الله تعالى وسائر أبواب معرفة الله تعالى حتى إذا استولى ذلك على قلبه دفع اشتغاله بذلك مجاذبة الشيطان ووسواسه وإن