لا رؤية النعمة وقال الخواص رحمه الله شكر العامة على المطعم والملبس والمشرب وشكر الخاصة على واردات القلوب وهذه رتبة لا يدركها كل من انحصرت عنده اللذات في البطن والفرج ومدركات الحواس من الألوان والأصوات وخلا عن لذة القلب فإن القلب لا يلتذ في حال الصحة إلا بذكر الله تعالى ومعرفته ولقائه وإنما يلتذ بغيره إذا مرض بسوء العادات كما يلتذ بعض الناس بأكل الطين وكما يستبشع بعض المرضى الأشياء الحلوة ويستحلي الأشياء المرة كما قيل
ومن يك ذا فم مر مريض ... جد مراً به الماء الزلالا
فإذن هذا شرط الفرح بنعمة الله تعالى فإن لم تكن إبل فمعزى فإن لم يكن هذا فالدرجة الثانية أما الأولى فخارجة عن كل حساب فكم من فرق بين من يريد الملك للفرس ومن يريد الفرس للملك وكم من فرق بين من يريد الله لينعم عليه وبين من يريد نعم الله ليصل بها إليه
الأصل الثالث العمل بموجب الفرح الحاصل من معرفة المنعم وهذا العمل يتعلق بالقلب وباللسان وبالجوارح أَمَّا بِالْقَلْبِ فَقَصْدُ الْخَيْرِ وَإِضْمَارُهُ لِكَافَّةِ الْخَلْقِ وَأَمَّا بِاللِّسَانِ فَإِظْهَارُ الشُّكْرِ لِلَّهِ تَعَالَى بِالتَّحْمِيدَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ وَأَمَّا بِالْجَوَارِحِ فَاسْتِعْمَالُ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي طَاعَتِهِ وَالتَّوَقِّي مِنَ الِاسْتِعَانَةِ بِهَا على معصيته حتى إن شكر العينين أن تستر كل عيب تراه لمسلم وشكر الأذنين أن تستر كل عيب تسمعه فيه فيدخل هذا في جملة شكر نعم الله تعالى بهذه الأعضاء والشكر باللسان لإظهار الرضا عن الله تعالى وهو مأمور به فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل كيف أصبحت قال بخير فأعاد صلى الله عليه وسلم وسلم السؤال حتى قال في الثالثة بخير أحمد الله وأشكره فقال صلى الله عليه وسلم وسلم هذا الذي أردت منك // حديث قال صلى الله عليه وسلم لرجل كيف أصبحت فقال بخير فأعاد السؤال حتى قال في الثالثة بخير أحمد الله واشكره فقال هذا الذي اردت منك اخرجه الطبراني في الدعاء من رواية الفضيل بن عمرو مرفوعا نحوه قال في الثالثة احمد الله وهذا معضل ورواه في المعجم الكبير من حديث عبد الله بن عمرو ليس فيه تكرار السؤال وقال احمد الله اليك وفيه راشد بن سعد ضعفه الجمهور لسوء حفظه ورواه مالك في الموطأ موقوفا على عمر بإسناد صحيح وكان السلف يتساءلون ونيتهم استخراج الشكر لله تعالى ليكون الشاكر مطيعاً والمستنطق له به مطيعاً وما كان قصدهم الرياء بإظهار الشوق وكل عبد سئل عن حال فهو بين أن يشكر أو يشكو يسكت فالشكر طاعة والشكوى معصية قبيحة من أهل الدين وكيف لا تقبح الشكوى من ملك الملوك وبيده كل شيء إلى عبد مملوك لا يقدر على شيء فالأحرى بالعبد إن لم يحسن الصبر على البلاء والقضاء وأفضى به الضعف إلى الشكوى أن تكون شكواه إلى الله تعالى فهو المبلي والقادر على إزالة البلاء وذل العبد لمولاه عز والشكوى إلى غيره ذل وإظهار الذل للعبد مع كونه عبداً مثله ذل قبيح قال الله تعالى {إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقاً فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له} وقال تعالى {إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم} فالشكر باللسان من جملة الشكر وقد روي أن وفداً قدموا على عمر بن عبد العزيز رحمه الله فقام شاب ليتكلم فقال عمر الكبر الكبر فقال يا أمير المؤمنين لو كان الأمر بالسن لكان في المسلمين من هو أسكن منك فقال تكلم فقال لسنا وفد الرغبة ولا وفد الرهبة أما الرغبة فقد أوصلها إلينا فضلك وأما الرهبة فقد آمننا منها عدلك وإنما نحن وقد الشكر جئناك نشكرك باللسان وننصرف فهذه هي أصول معاني الشكر المحيطة بمجموع حقيقته
فأما قول من قال إن الشكر هو الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع فهو نظر إلى فعل اللسان مع بعض أحوال القلب وقول من قال إن الشكر هو الثناء على المحسن بذكر إحسانه نظر إلى مجرد عمل اللسان وقول القائل