الكواكب عليها لكانت فاسدة ناقصة حتى إن الشجرة الصغيرة تفسد إذا ظللتها شجرة كبيرة وتعرف ترطيب القمر بأن تكشف رأسك له بالليل فتغلب على رأسك الرطوبة التي يعبر عنها بالزكام فكما يرطب رأسك يرطب الفاكهة أيضاً ولا نطول فيما لا مطمع في استقصائه بل نقول كل كوكب في السماء فقد سخر لنوع فائدة كما سخرت الشمس للتسخين والقمر للترطيب فلا يخلو واحد منها عن حكم كثيرة لا تفي قوة البشر بإحصائها ولو لم يكن كذلك لكان خلقها عبثاً وباطلاً ولم يصح قوله تعالى {ربنا ما خلقت هذا باطلاً} وقوله عز وجل وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين وكما أنه ليس في أعضاء بدنك عضو إلا لفائدة فليس في أعضاء بدن العالم عضو إلا لفائدة والعالم كله كشخص واحد وآحاد أجسامه كالأعضاء له وهي متعاونة تعاون أعضاء بدنك في جملة بدنك وشرح ذلك يطول ولا ينبغي أن تظن أن الإيمان بأن النجوم والشمس والقمر مسخرات بأمر الله سبحانه في أمور جعلت أسباباً لها بحكم الحكمة مخالف للشرع لما ورد فيه من النهي عن تصديق المنجمين وعن علم النجوم // حديث النهي عن تصديق المنجمين وعن علم النجوم أخرجه أبو داود وابن ماجه بسند صحيح من حديث ابن عباس من اقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد وللطبرانى من حديث ابن مسعود وثوبان إذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإسنادهما ضعيف وقد تقدم فى العلم ولمسلم من حديث معاوية بن الحكم السلمى قال قلت يا رسول لله أمورا كنا نصنعها فى الجاهلية كنا نأتى الكهان قال فلا تأتوا الكهان الحديث
بل المنهي عنه في النجوم أمران أحدهما أن تصدق بأنها فاعلة لآثارها مستقلة بها وأنها ليست مسخرة تحت تدبير مدبر خلقها وقهرها وهذا كفر والثاني تصديق المنجمين في تفصيل ما يخبرون عنه من الآثار التي لا يشترك كافة الخلق في دركها لأنهم يقولون ذلك عن جهل فإن علم أحكام النجوم كان معجزة لبعض الأنبياء عليهم السلام ثم اندرس ذلك العلم فلم يبق إلا ما هو مختلط لا يتميز فيه الصواب عن الخطأ فاعتقاد كون الكواكب أسباباً لآثار تحصل بخلق الله تعالى في الأرض وفي النبات وفي الحيوان ليس قادحاً في الدين بل هو حق ولكن دعوى العلم بتلك الآثار على التفصيل مع الجهل قادح في الدين ولذلك إذا كان معك ثوب غسلته وتريد تجفيفه فقال لك غيرك أخرج الثوب وابسطه فإن الشمس قد طلعت وحمي النهار والهواء لا يلزمك تكذيبه ولا يلزمك الإنكار عليه بحوالته حمي الهواء على طلوع الشمس وإذا سألت عن تغيير وجه الإنسان فقال قرعتني الشمس في الطريق فاسود وجهي لم يلزمك تكذيبه بذلك وقس بهذا سائر الآثار إلا أن الآثار بعضها معلوم وبعضها مجهول فالمجهول لا يجوز دعوى العلم فيه والمعلوم بعضه معلوم للناس كافة كحصول الضياء والحرارة بطلوع الشمس وبعضه لبعض الناس كحصول الزكام بشروق القمر فإذن الكواكب ما خلقت عبثاً بل فيها حكم كثيرة لا تحصى ولهذا نظر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السماء وقرأ قوله تعالى ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ثم قال صلى الله عليه وسلم ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته
حديث قرأ قوله تعالى ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ثم قال ويل لمن قرأ هذه الآية ثم مسح بها سبلته أى ترك تأملها أخرجه الثعلبى من حديث ابن عباس بلفظ ولم يتفكر فيها وفيه أبو جناب يحيى بن أبى حبة ضعيف
ومعناه أن يقرأ ويترك التأمل ويقتصر من فهم ملكوت السموات على أن يعرف لون السماء وضوء الكواكب وذلك مما تعرفه البهائم أيضاً فمن قنع منه بمعرفة ذلك فهو الذي مسح بها سبلته فلله تعالى في ملكوت السموات والآفاق والأنفس والحيوانات عجائب يطلب معرفتها المحبون لله تعالى فإن من أحب عالماً فلا يزال مشغولاً بطلب تصانيفه ليزداد بمزيد الوقوف على عجائب علمه حباً له فكذلك الأمر في عجائب صنع الله تعالى فإن العالم