وربا بعض المواضع وضعف بعض المواضع بل لو لم يراع هذا الملك العادل في القسمة والتقسيط فساق إلى رأس الصبي وسائر بدنه من الغذاء ما ينمو به إلا إحدى الرجلين مثلاً لبقيت تلك الرجل كما كانت في حد الصغر وكبر جميع البدن فكنت ترى شخصاً في ضخامة رجل وله رجل واحدة كأنها رجل صبي فلا ينتفع بنفسه البتة فمراعاة هذه الهندسة في هذه القسمة مفوضة إلى ملك من الملائكة ولا تظنن أن الدم بطبعه يهندس شكل نفسه فإن محيل هذه الأمور على الطبع جاهل لا يدري ما يقول فهذه هي الملائكة الأرضية وقد شغلوا بك وأنت في النوم تستريح وفي الغفلة تتردد وهم يصلحون الغذاء في باطنك ولا خبر لك منهم وذلك في كل جزء من أجزائك الذي لا يتجزأ حتى يفتقر بعض الأجزاء كالعين والقلب إلى أكثر من مائة ملك تركنا تفصيل ذلك للإيجاز والملائكة الأرضية مددهم من الملائكة السماوية على ترتيب معلوم لا يحيط بكنهه إلا الله تعالى ومدد الملائكة السماوية من حملة العرش والمنعم على جملتهم بالتأييد والهداية والتسديد المهيمن القدوس المنفرد بالملك والملكوت والعزة والجبروت جبار السموات والأرض مالك الملك ذو الجلال والإكرام والأخبار الواردة في الملائكة الموكلين بالسموات والأرض وأجزاء النبات والحيوانات حتى كل قطرة من المطر وكل سحاب ينجر من جانب إلى جانب (١) أكثر من أن تحصى فلذلك تركنا الاستشهاد به
فإن قلت فهلا فوضت هذه الأفعال إلى ملك واحد ولم أفتقر إلى سبعة أملاك والحنطة أيضاً تحتاج إلى من يطحن أولاً ثم إلى من يميز عنه النخالة ويدفع الفضلة ثانياً ثم إلى من يصب الماء عليه ثالثاً ثم إلى من يعجن رابعاً ثم إلى من يقطعه كرات مدورة خامساً ثم إلى من يرقها رغفاناً عريضة سادساً ثم إلى من يلصقها بالتنور سابعاً ولكن قد يتولى جميع ذلك رجل واحد يستقل به فهلا كانت أعمال الملائكة باطناً كأعمال الإنس ظاهراً فاعلم أن خلقة الملائكة تخالف خلقة الإنس وما من واحد منهم إلا وهو وحداني الصفة ليس فيه خلط وتركيب البتة فلا يكون لكل واحد منهم إلا فعل واحد وإليه الإشارة بقوله تعالى وما منا إلا وله مقام معلوم فلذلك ليس بينهم تنافس وتقاتل بل مثالهم في تعين مرتبة كل واحد منهم وفعله مثال الحواس الخمس فإن البصر لا يزاحم السمع في إدراك الأصوات ولا الشم يزاحمها ولا هما يتنازعان الشم وليس كاليد والرجل فإنك قد تبطش بأصابع الرجل بطشاً ضعيفاً فتزاحم به اليد وقد تضرب غيرك برأسك فتزاحم اليد التي هي آلة الضرب ولا كالإنسان الواحد الذي يتولى بنفسه الطحن والعجن والخبز فإن هذا نوع من الاعوجاج والعدول عن العدل سببه اختلاف صفات الإنسان واختلاف دواعيه فإنه ليس وحداني الصفة فلم يكن وحداني الفعل ولذلك نرى الإنسان يطيع الله مرة ويعصيه أخرى لاختلاف دواعيه وصفاته وذلك غير ممكن في طباع الملائكة بل هم مجبولون على الطاعة
(١) حديث الأخبار الواردة في الملائكة الموكلين بالسموات والأرضين وأجزاء النبات والحيوانات حتى كل قطرة من المطر وكل سحاب ينجر من جانب إلى جانب ففى الصحيحين من حديث أبى ذر فى قصة الإسراء قال جبريل لخازن السماء الدنيا افتح وفيه أتى السماء الثانية فقال لخازنها افتح الحديث ولهما من حديث أبى هريرة إن لله ملائكة سياحين يبدونى عن أمتى السلام وفى الصحيحين من حديث عائشة فى قصة عرضه نفسه على عبد ياليل فنادانى ملك الجبال إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين الحديث ولهما من حديث أنس إن الله وكل بالرحم ملكا الحديث وروى أبو منصور الديلمى فى مسند الفردوس من حديث بريدة الأسلمى ما من نبت ينبت إلا وتحته ملك موكل حتى يحصد الحديث وفيه محمد بن صالح الطبرى وأبو بحر البكراوى واسمه عثمان بن عبد الرحمن وكلاهما ضعيف وللطبراني من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف إن لله ملائكة ينزلون فى كل ليلة يحسون الكلال عن دواب الغزاة إلا دابة فى عنقها جرس وللترمذى وحسنه من حديث ابن عباس قالت اليهود يا أبا القاسم أخبرنا عن الرعد قال ملك من الملائكة موكل بالسحاب ولمسلم من حديث أبى هريرة بينما رجل بفلاة من الأرض سمع صوتا من سحابة اسق حديقة فلان فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماء فى حرة الحديث