للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة والصيام والصدقة والحج ثم يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان ولا ينشر لهم ديوان يصب عليهم الآجر صباً كما كان يصب عليهم البلاء صباً فيود أهل العافية في الدنيا لو أنهم كانت تقرض أجسادهم بالمقاريض لما يرون ما يذهب به أهل البلاء من الثواب (١) فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حساب وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال شكا نبي من الأنبياء عليهم السلام إلى ربه فقال يا رب العبد المؤمن يطيعك ويجتنب معاصيك تزوي عنه الدنيا وتعرض له البلاء ويكون الكافر لا يطيعك ويجترىء عليك وعلى معاصيك تزوي عنه البلاء وتبسط له الدنيا فأوحى الله تعالى إليه إن العباد والبلاء لي وكل يسبح بحمدي فيكون المؤمن عليه من الذنوب فأزوي عنه الدنيا وأعرض له البلاء فيكون كفارة لذنوبه حتى يلقانى فأجز به بحسناته ويكون الكافر له الحسنات فأبسط له في الرزق وأزوي عنه البلاء فأجزيه بحسناته في الدنيا حتى يلقاني فأجزيه بسيئاته

وروي أنه لما نزل قوله تعالى من يعمل سوءاً يجز به قال أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه كيف الفرح بعد هذه الآية فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ألست يصيبك الأذى ألست تحزن فهذا مما تجزون به (٢) يعني أن جميع ما يصيبك يكون كفارة لذنوبك وعن عقبة بن عامر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال إذا رأيتم الرجل يعطيه الله ما يحب وهو مقيم على معصيته فاعلموا أن ذلك استدراج ثم قرأ قوله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء (٣) يعني لما تركوا ما أمروا به فتحنا عليهم أبواب الخير حتى إذا فرحوا بما أوتوا أي بما أعطوا من الخير أخذناهم بغتة

وعن الحسن البصري رحمه الله أن رجلاً من الصحابة رضي الله عنهم رأى امرأة كان يعرفها في الجاهلية فكلمها ثم تركها فجعل الرجل يلتفت إليها وهو يمشي فصدمه حائط فأثر في وجهه فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال صلى الله عليه وسلم إذا أراد الله بعبد خيراً عجل له عقوبة ذنبه في الدنيا (٤) وقال علي كرم الله وجهه ألا أخبركم بأرجى آية في القرآن قالوا بلى فقرأ عليهم {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير} فالمصائب في الدنيا بكسب الأوزار فإذا عاقبه الله في الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه ثانياً وإن عفا عنه في الدنيا فالله أكرم من أن يعذبه يوم القيامة وعن أنس رضي الله تعالى منه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما تجرع عبد قط جرعتين أحب إلى الله من جرعة غيظ ردها بحلم وجرعة مصيبة يصبر الرجل لها ولا قطرت قطرة أحب إلى الله من قطرة دم أهريقت في سبيل الله أو قطرة دمع في سواد الليل وهو ساجد ولا يراه إلا الله وما خطا عبد


(١) حديث أنس إذا أراد الله بعبد خيراً وأراد أن يصافيه صب عليه البلاء صباً الحديث أخرجه ابن أبى الدنيا فى كتاب المرض من رواية بكر بن خنيس عن يزيد الرقاشيعن أنس أخصر منه دون قوله فإذا كان يوم القيامة إلى آخره وبكر بن خنيس والرقاشى ضعيفان ورواه الأصفهانى فى الترغيب والترهيب بتمامه وأدخل بين بكر وبين الرقاشى ضرار بن عمرو وهو أيضا ضعيف
(٢) حديث لما نزل قوله تعالى من يعمل سوءاً يجز به قال أبو بكر الصديق كيف الفرح بعد هذه الآية فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض الحديث من رواية من لم يسم عن أبى بكر ورواه الترمذى من وجه آخر بلفظ آخر وضعفه قال وليس له إسناد صحيح وقال الدارقطنى وروى أيضا من حديث عمر ومن حديث الزبير قال وليس فيها شىء يثبت
(٣) حديث عقبة بن عامر إذا رأيتم الرجل يعطيه الله ما يحب وهو مقيم على معصيته فاعلموا أن ذلك استدراج الحديث رواه أحمد والطبرانى والبيهقى فى الشعب بسند حسن
(٤) حديث الحسن البصرى فى الرجل الذى رأى امرأة فجعل يلتفت إليها وهو يمشي فصدمه حائط الحديث وفيه إذا أراد الله بعبد خيراً عجل له عقوبة ذنبه فى الدنيا أخرجه أحمد والطبرانى بإسناد صحيح من رواية الحسن عن عبد الله بن معقل مرفوعا ومتصلا ووصله الطبرانى أيضا من رواية الحسن عن عمار بن ياسر ورواه أيضا من حديث ابن عباس وقد روى الترمذى وابن ماجه المرفوع منه من حديث أنس وحسنه الترمذى

<<  <  ج: ص:  >  >>