للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجود كآلات الغذاء وما هو محتاج إليه كالأصابع والأظفار وما هو زينة له كاستقواس الحاجبين واختلاف ألوان العينين وحمرة الشفتين وغير ذلك مما كان لا ينثلم بفقده غرض مقصود وإنما كان يفوت به مزية جمال فالعناية الإلهية إذا لم تقصر عن عباده في أمثال هذه الدقائق حتى لم يرض لعباده أن تفوتهم المزايد والمزايا في الزينة والحاجة كيف يرضى بسياقهم إلى الهلاك المؤبد بل إذا نظر الإنسان نظراً شافياً علم أن أكثر الخلق قد هيء له أسباب السعادة في الدنيا حتى إنه يكره الانتقال من الدنيا بالموت وإن أخبر بأنه لا يعذب بعد الموت أبداً مثلاً أولا يحشر أصلاً فليست كراهتهم للعدم إلا لأن أسباب النعم أغلب لا محالة وإنما الذي يتمنى الموت نادر ثم لا يتمناه إلا في حال نادرة وواقعة هاجمة غريبة فإذا كان حال أكثر الخلق في الدنيا الغالب عليه الخير والسلامة فسنة الله لا تجد لها تبديلاً فالغالب أن أمر الآخرة هكذا يكون لأن مدبر الدنيا والآخرة واحد وهو غفور رحيم لطيف بعباده متعطف عليهم فهذا إذا تؤمل حق التأمل قوي به أسباب الرجاء ومن الاعتبار أيضاً النظر في حكمة الشريعة وسنتها في مصالح الدنيا ووجه الرحمة للعباد بها حتى كان بعض العارفين يرى آية المداينة في البقرة من أقوى أسباب الرجاء

فقيل له وما فيها من الرجاء فقال الدنيا كلها قليل ورزق الإنسان منها قليل والدين قليل عن رزقه فانظر كيف أنزل الله تعالى فيه أطول آية ليهدي عبده إلى طريق الاحتياط في حفظ دينه فكيف لا يحفظ دينه الذي لا عوض له منه

الفن الثاني استقراء الآيات والأخبار فما ورد في الرجاء خارج عن الحصر أما الآيات فقد قال تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم وفي قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يبالي إنه هو الغفور الرحيم (١) وقال تعالى والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض وأخبر تعالى أن النار أعدها لأعدائه وإنما خوف بها أولياءه فقال لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده وقال تعالى واتقوا النار التي أعدت للكافرين وقال تعالى فأنذرتكم ناراً تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وقال عز وجل وإن ربك لذوا مغفرة للناس على ظلمهم ويقال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يسأل في أمته حتى قيل له أما ترضى وقد أنزلت عليك هذه الآية وإن ربك لذو مغفرة للناس ظلمهم (٢)

وفي تفسير قوله تعالى {ولسوف يعطيك ربك فترضى} قال لا يرضى محمد وواحد من أمته في النار وكان أبو جعفر محمد بن علي يقول أنتم أهل العراق تقولون أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} الآية ونحن أهل البيت نقول أرجى آية في كتاب الله تعالى قوله تعالى {ولسوف يعطيك ربك فترضى} وأما الأخبار فقد روى أبو موسى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها في الآخرة عجل الله عقابها في الدنيا الزلازل والفتن فإذا كان يوم القيامة دفع إلى كل رجل من أمتي رجل من أهل الكتاب فقيل هذا فداؤك من النار (٣)


(١) حديث قرأ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا ولا يبالي أخرجه الترمذي من حديث أسماء بنت يزيد وقال حسن غريب
(٢) حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل يسأل في أمته حتى قيل له أما ترضى وقد أنزل عليك {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} لم أجده بهذا اللفظ وروى ابن أبي حاتم والثعلبي في تفسيرهما من رواية علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب قال لما نزلت هذه الآية قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لولا عفو الله وتجاوزه ما هنأ أحد العيش الحديث
(٣) حديث أبي موسى أمتي أمة مرحومة لا عذاب عليها عجل الله عقابها في الدنيا الزلازل والفتن الحديث أخرجه أبو داود دون قوله فإذا كان يوم القيامة الخ فرواها ابن ماجه من حديث أنس بسند ضعيف وفي صحيحه من حديث أبي موسى كما سيأتي ذكره في الحديث الذي يليه

<<  <  ج: ص:  >  >>