للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قل لهما ليستأنفا العمل فقد أحبطت ما سلف من أعمالهما أما الحوارى فقد أحبطت حسناته لعجبه بنفسه وأما الآخر فقد أحبطت سيئاته بما ازدرى على نفسه فأخبرهما بذلك وضم اللص إليه في سياحته وجعله من حواريه

وروى عن مسروق أن نبياً من الأنبياء كان ساجدا فوطىء عنقه بعض العصاة حتى ألزق الحصى بجبهته قال فرفع النبي عليه الصلاة والسلام رأسه مغضبا فقال اذهب فلن يغفر الله لك فأوحى الله تعالى إليه تتألى على في عبادي إني قد غفرت له

ويقرب من هذا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت على المشركين ويلعنهم في صلاته فنزل عليه قوله تعالى ليس لك من الأمر شيء الآية فترك الدعاء عليهم وهدى الله تعالى عامة أولئك للإسلام (١)

وروى في الأثر أن رجلين كانا من العابدين متساويين في العبادة قال فإذا أدخلا الجنة رفع أحدهما في الدرجات العلى على صاحبه فيقول يا رب ما كان هذا في الدنيا بأكثر مني عبادة فرفعته علي في عليين فيقول الله سبحانه إنه كان يسألني في الدنيا الدرجات العلى وأنت كنت تسألني النجاة من النار فأعطيت كل عبد سؤله وهذا يدل على أن العبادة على الرجاء أفضل لأن المحبة أغلب على الراجي منها على الخائف فكم من فرقف في الملوك بين من يخدم اتقاء لعقابه وبين من يخدم إرتجاه لإنعامه وإكرامه

ولذلك أمر الله تعالى بحسن الظن ولذلك قال صلى الله عليه وسلم سلوا الله الدرجات العلى فإنما تسألون كريما (٢) وقال إذا سألتم الله فأعظموا الرغبة واسألوا الفردوس الأعلى فإن الله تعالى لا يتعاظمه شيء (٣)

وقال بكر بن سليم الصواف دخلنا على مالك بن أنس في العشية التي قبض فيها فقلنا يا أبا عبد الله كيف تجدك قال لا أدري ما أقول لكم إلا أنكم ستعاينون من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب ثم ما برحنا حتى أغمضناه

وقال يحيى بن معاذ في مناجاته يكاد رجائي لك من الذنوب يغلب رجائي إليك مع الأعمال لأني أعتمد في الأعمال على الإخلاص وكيف أحرزها وأنا بالآفة معروف وأجدني في الذنوب أعتمد على عفوك وكيف لا تغفرها وأنت بالجود موصوف

وقيل إن مجوسيا استضاف إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فقال إن أسلمت أضفتك فمر المجوسي


(١) حديث ابن عباس كان يقنت على المشركين ويلعنهم في صلاته فنزل قوله تعالى {ليس لك من الأمر شيء} فترك الدعاء عليهم الحديث أخرجه البخاري من حديث ابن عمر أنه كان إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر يقول اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد فأنزل الله عز وجل ليس لك من الأمر شيء إلى قوله فإنهم ظالمون ورواه الترمذي وسماهم أبا سفيان والحارث بن هشام وصفوان بن أمية وزاد فتاب عليهم فأسلموا فحسن إسلامهم وقال حسن غريب وفي رواية له أربعة نفر لم يسمهم وقال فهداهم الله للإسلام وقال حسن غريب صحيح
(٢) حديث سلوا الله الدرجات العلى فإنما تسألون كريما لم أجده بهذا اللفظ وللترمذي من حديث ابن مسعود سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسئل وقال هكذا روى حماد بن واقد وليس بالحافظ
(٣) حديث إذا سألتم الله فأعظموا الرغبة واسألوا الفردوس الأعلى فإن الله لا يتعاظمه شيء أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم وليعظم الرغبة فإن الله عز وجل لا يتعاظمه شيء أعطاه والبخاري من حديث أبي هريرة في أثناء حديث فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة ورواه الترمذي من حديث معاذ وعبادة بن الصامت

<<  <  ج: ص:  >  >>