للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القلب من عقدة الجحود حجاباً بينه وبين الله تعالى أبداً وذلك يقتضي البعد الدائم والعذاب المخلد والثانية وهي دونها أن يغلب على قلبه عند الموت حب أمر من أمور الدنيا وشهوة من شهواتها فيتمثل ذلك في قلبه ويستغرقه حتى لا يبقى في تلك الحالة متسع لغيره فيتفق قبض روحه في تلك الحال فيكون استغراق قلبه به منكساً رأسه إلى الدنيا وصارفاً وجهه إليها

ومهما انصرف الوجه عن الله تعالى حصل الحجاب

ومهما حصل الحجاب نزل العذاب إذ نار الله الموقدة لا تأخذ إلا المحجوبين عنه فأما المؤمن السليم قلبه من حب الدنيا المصروف همه إلى الله تعالى فتقول له النار جز يا مؤمن فإن نورك أطفأ لهبي فمهما اتفق قبض الروح في حالة غلبة حب الدنيا فالأمر مخطر لأن المرء يموت على ما عاش عليه ولا يمكن اكتساب صفة أخرى للقلب بعد الموت تضاد الصفة الغالبة عليه إذ لا تصرف في القلوب إلا بأعمال الجوارح وقد بطلت الجوارح بالموت فبطلت الأعمال فلا مطمع في عمل ولا مطمع في رجوع إلى الدنيا ليتدارك وعند ذلك تعظم الحسرة إلا أن أصل الإيمان وحب الله تعالى إذا كان قد رسخ في القلب مدة طويلة وتأكد ذلك بالأعمال الصالحة فإنه يمحو عن القلب هذه الحالة التي عرضت له عند الموت فإن كان إيمانه في القوة إلى حد مثقال أخرجه من النار في زمان أقرب وإن كان أقل من ذلك طال مكثه في النار ولو لم يكن إلا مثقال حبة فلا بد وأن يخرجه من النار ولو بعد آلاف سنين

فإن قلت فما ذكرته يقتضي أن تسرع النار إليه عقيب موته فما باله يؤخر إلى يوم القيامة ويمهل طول هذه المدة فاعلم أن كل من أنكر عذاب القبر فهو مبتدع محجوب عن نور الله تعالى وعن نور القرآن ونور الإيمان بل الصحيح عند ذوي الأبصار ما صحت به الأخبار وهو أن القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة (١)

وأنه قد يفتح إلى قبر المعذب سبعون باباً من الجحيم (٢)

كما وردت به الأخبار فلا تفارقه روحه إلا وقد نزل به البلاء إن كان قد شقي بسوء الخاتمة

وإنما تختلف أصناف العذاب باختلاف الأوقات فيكون سؤال منكر ونكير عند الوضع في القبر (٣)

والتعذيب بعده (٤)

ثم المناقشة في الحساب (٥)

والافتضاح على ملأ من الأشهاد في القيامة (٦)

ثم بعد ذلك خطر الصراط (٧) حديث هو الزبانية أخرجه الطبراني من حديث أنس الزبانية يوم القيامة أسرع إلى فسقة حملة القرآن منها الى عبدة الأوثان والنيران قال صاحب الميزان حديث منكر وروى ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم معضلا في خزنة جهنم ما بين منكبي أحدهم كما بين المشرق والمغرب //

إلى آخر ما وردت به الأخبار فلا يزال الشقي متردداً في جميع أحواله بين أصناف العذاب وهو في جملة الأحوال معذب إلا أن يتغمده الله برحمته ولا تظنن أن محل الإيمان لا يأكله التراب بل التراب يأكل جميع الجوارح ويبددها إلى أن يبلغ الكتاب أجله فتجتمع الأجزاء المتفرقة وتعاد إليها الروح التي هي محل الإيمان وقد كانت من وقت الموت إلى الإعاذة إما في حواصل طيور خضر معلقة تحت العرش إن كانت سعيدة وإما على حالة تضاد هذه الحال إن كانت والعياذ بالله شقية


(١) حديث القبر إما حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد وقال غريب وتقدم في الأذكار
(٢) حديث إنه يفتح إلى قبر المعذب سبعون باباً من الجحيم لم أجد له أصلا
(٣) حديث سؤال منكر ونكير عند الوضع في القبر تقدم في قواعد العقائد
(٤) حديث عذاب القبر تقدم فيه
(٥) حديث المناقشة في الحساب تقدم فيه
(٦) حديث الافتضاح على ملأ الأشهاد في القيامة رواه أحمد والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد جيد من انتقى من ولده ليفضحه في الدنيا فضحه الله على رءوس الأشهاد وفي الصحيحين من حديث ابن عمر وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رءوس الخلائق هؤلاء الذين كذبوا على ربهم والطبراني والعقيلي في الضعفاء من حديث الفضيل بن عياض فضوح الدنيا أهون من فوضح الآخرة وهو حديث طويل منكر
(٧) حديث خطر الصراط تقدم في قواعد العقائد
وهول الزبانية

<<  <  ج: ص:  >  >>