للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الأخبار فما ورد منها في ذم الدنيا كثير وقد أوردنا بعضها في كتاب ذم الدنيا مع ربع المهلكات إذ حب الدنيا من المهلكات ونحن الآن نقتصر على فضيلة بغض الدنيا فإنه من المنجيات وهو المعني بالزهد وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره وفرق عليه ضيعته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ومن أصبح وهمه الآخرة جمع الله له همه وحفظ عليه ضيعته وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة (١) وقال صلى الله عليه وسلم إذا رأيتم العبد وقد أعطي صمتاً وزهداً في الدنيا فاقتربوا منه فإنه يلقى الحكمة (٢) وقال تعالى {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} ولذلك قيل من زهد في الدنيا أربعين يوماً أجرى الله ينابيع الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وعن بعض الصحابة أنه قال قلنا يا رسول الله أي الناس خير قال كل مؤمن محموم القلب صدوق اللسان قلنا يا رسول الله وما محموم القلب قال التقي النقي الذي لا غل فيه ولا غش ولا بغي ولا حسد قلنا يا رسول الله فمن على أثره قال الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة (٣) ومفهوم هذا أن شر الناس الذي يحب الدنيا

وقال صلى الله عليه وسلم إن أردت أن يحبك الله فازهد في الدنيا (٤) فجعل الزهد سبباً للمحبة فمن أحبه الله تعالى فهو في أعلى الدرجات فينبغي أن يكون الزهد في الدنيا من أفضل المقامات ومفهومه أيضاً أن من محب الدنيا متعرض لبغض الله تعالى وفي خبر من طريق أهل البيت الزهد والورع يجولان في القلوب كل ليلة فإن صادفا قلباً فيه الإيمان والحياء أقاما فيه وإلا ارتحلا (٥) ولما قال حارثة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنا مؤمن حقاً قال وما حقيقة إيمانك قال عزفت نفسي عن الدنيا فاستوى عندي حجرها وذهبها وكأني بالجنة والنار وكأني بعرش ربي بارزاً فقال صلى الله عليه وسلم اعرفت فالزم عبد نور الله قلبه بالإيمان (٦) فانظر كيف بدأ في إظهار حقيقة الإيمان بعزوف النفس عن الدنيا وقرنه باليقين وكيف زكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال عبد نور الله قلبه بالإيمان

ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى الشرح في قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام وقيل له ما هذا الشرح قال إن النور إذا دخل في القلب انشرح له الصدر وانفسح قيل يا رسول الله وهل لذلك من علامة قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والاستعداد للموت قبل نزوله (٧) وقد تقدم فانظر كيف جعل الزهد شرطاً للإسلام وهو التجافي عن دار الغرور وقال صلى الله عليه وسلم استحيوا من الله حق الحياء قالوا إنا لنستحي منه تعالى فقال ليس كذلك تبنون مالا تسكنون وتجمعون مالا تأكلون (٨) فبين أن ذلك يناقض الحياء من الله تعالى ولما قدم عليه بعض الوفود قالوا إنا مؤمنون قال وما علامة إيمانكم فذكروا


(١) حديث من أصبح وهمه الدنيا شتت الله عليه أمره الحديث أخرجه ابن ماجة من حديث زيد بن ثابت بسند جيد والترمذي من حديث أنس بسند ضعيف نحوه
(٢) حديث إذا رأيتم العبد قد أوتي صمتاً وزهداً في الدنيا فاقتربوا منه فإنه يلقى الحكمة رواه ابن ماجة من حديث أبي خلاد بسند فيه ضعف
(٣) حديث قلنا يا رسول الله وما محموم القلب قال التقي النقي الحديث رواه ابن ماجه بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو دون قوله يارسمول الله فمن على أثره وقد تقدم ورواه بهذه الزيادة بإسناد المذكور الخرائط في مكارم الأخلاق
(٤) حديث إن أردت أن يحبك الله فازهد في الدنيا رواه ابن ماجه من حديث سهل بن سعد بسند ضعيف نحوه وقد تقدم
(٥) حديث الزهد والورع يجولان في القلب كل ليلة فإن صادفا قلباً فيه الإيمان والحياء أقاما فيه وإلا ارتحلا لم أجد له أصلا
(٦) حديث لما قال له حارثة أنا مؤمن حقا فقال وما حقيقة إيمانك الحديث أخرجه البزار من حديث أنس والطبراني من حديث الحارث بن مالك وكلا الحديثين ضعيف
(٧) حديث سئل عن قوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه الحديث أخرجه الحاكم
(٨) حديث استحيوا من الله حق الحياء الحديث رواه الطبراني من حديث أمم الوليد بنت عمر بن الخطاب بإسناد ضعيف

<<  <  ج: ص:  >  >>