للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموقع هو الكاتب التوقيع والحق أن الله تبارك وتعالى هو الكاتب لقوله تَعَالَى {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رمى} فإذا انكشف لك أن جميع ما في السموات والأرض مسخرات على هذا الوجه انصرف عنك الشيطان خائباً وأيس عن مزج توحيدك بهذا الشرك فأتاك في المهلكة الثانية وهي الالتفات إلى اختيار الحيوانات في الأفعال الاختيارية ويقول كيف ترى الكل عن الله وهذا الإنسان يعطيك رزقك باختياره فإن شاء أعطاك وإن شاء قطع عنك وهذا الشخص هو الذي يحز رقبتك بسيفه وهو قادر عليك إن شاء حزن رقبتك وإن شاء عفا عنك فكيف لا تخافه وكيف لا ترجوه وأمرك بيده وأنت تشاهد ذلك ولا تشك فيه ويقول له أيضاً نعم إن كنت لا ترى القلم لأنه مسخر فكيف لا ترى الكاتب بالقلم وهو المسخر له وعند هذا زل أقدام الأكثرون إلا عباد الله المخلصين الذين لا سلطان عليهم للشيطان اللعين فشاهدوا بنور البصائر كون الكاتب مسخراً مضطراً كما شاهد جميع الضعفاء كون القلم مسخراً وعرفوا أن غلط الضعفاء في ذلك كغلظ النملة مثلاً لو كانت تدب على الكاغد فترى رأس القلم يسود الكاغد ولم يمتد بصرها إلى اليد والأصابع فضلاً عن صاحب اليد فغلطت وظنت أن القلم هو المسود للبياض وذلك لقصور بصرها عن مجاوزة رأس القلم لضيق حدقتها فكذلك من لم ينشرح بنور الله تعالى صدره للإسلام قصرت بصيرته عن ملاحظة جبار السموات والأرض ومشاهدة كونه قاهراً وراء الكل فوقف في الطريق على الكاتب وهو جهل محض بل أرباب القلوب والمشاهدات قد أنطق الله تعالى في حقهم كل ذرة في السموات والأرض بقدرته التي بها نطق كل شيء حتى سمعوا تقديسها وتسبيحها لله تعالى وشهادتها على نفسها بالعجز بلسان ذلق تتكلم بلا حرف ولا صوت لا يسمعه الذين هم عن السمع معزلون ولست أعني به السمع الظاهر الذي لا يجاوز بالأصوات فإن الحمار شريك فيه ولا قدر لما يشارك فيه البهائم وإنما أريد به سمعاً يدرك به كلام ليس بحرف ولا صوت ولا هو عربي ولا عجمي

فإن قلت فهذه أعجوبة لا يقبلها العقل فصف لي كيفية نطقها وأنها كيف نطقت وبماذا نطقت وكيف سبحت وقدست وكيف شهدت على نفسها بالعجز فاعلم أن لكل ذرة في السموات والأرض مع أرباب القلوب مناجاة في السر وذلك مما لا ينحصر ولا يتناهى فإنها كلمات تستمد من بحر كلام الله تعالى الذي لا نهاية له {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر} الآية ثم إنها تتناجى بأسرار الملك والملكوت وإفشاء السر لؤم بل صدور الأحرار قبور الأسرار وهل رأيت قط أميناً على أسرار ملك قد نوجي بخفاياه فنادى بسره على ملأ من الخلق ولو جاز إفشاء كل سر لنا لما قال صلى الله عليه وسلم لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً (١) بل كان يذكر ذلك لهم حتى يبكون ولا يضحكون

ولما نهى عن إفشاء سر القدر (٢) ولما قال إذا ذكر النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا (٣) ولما خص حذيفة رضي الله عنه ببعض الأسرار (٤) فإذن عن حكايات مناجاة ذرات الملك والملكوت لقلوب أرباب المشاهدات مانعان أحدهما استحالة إفشاء السر والثاني خروج كلماتها عن الحصر والنهاية ولكنا في المثال الذي كنا فيه وهي حركة القلم


(١) حديث لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا الحديث تقدم غير مرة
(٢) حديث النهى عن إفشاء سر القدر رواه أبو عدي وأبو نعيم في الحلية من حديث ابن عمر القدر سر الله فلا تفشوا لله عز وجل سره لفظ أبي نعيم وقال ابن عدي لا تكلموا في القدر فإنه سر الله الحديث وهو ضعيف وقد تقدم
(٣) حديث إذا ذكر النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا الحديث أخرجه الطبراني وابن حبان في الضعفاء وتقدم في العلم
(٤) حديث أنه خص حذيفة ببعض الأسرار تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>