للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نقدر إنساناً محدثاً قد انغمس في الماء إلى رقبته فالحدث لا يرتفع عن أعضائه وإن كان الماء هو الرافع وهو ملاق له فقدر القدرة الأزلية حاضرة ملاقية للمقدورات متعلقة بها ملاقاة الماء للأعضاء ولكن لا يحصل بها المقدور كما لا يحصل رفع الحدث بالماء انتظاراً للشرط وهو غسل الوجه فإذا وضع الواقف في الماء وجهه على الماء عمل الماء في سائر أعضائه وارتفع الحدث فربما يظن الجاهل أن الحدث ارتفع عن اليدين برفعه عن الوجه لأنه حدث عقيبه إذ يقول كان الماء ملاقياً ولم يكن رافعاً والماء لم يتغير عما كان فكيف حصل منه ما لم يحصل من قبل بل حصل ارتفاع الحدث عن اليدين عند غسل الوجه فإذن غسل الوجه هو الرافع للحدث عن اليدين وهو جهل يضاهي ظن من يظن أن الحركة تحصل بالقدرة والقدرة بالإرادة والإرادة بالعلم وكل ذلك خطأ بل عند ارتفاع الحدث عن الوجه ارتفع الحدث عن اليد بالماء الملاقي لها لا بغسل الوجه والماء لم يتغير واليد لم تتغير ولم يحدث فيهما شيء ولكن حدث وجود الشرط فظهر أثر العلة فهكذا ينبغي أن تفهم صدور المقدّرات عن القدرة الأزلية مع أن القدرة قديمة والمقدورات حادثة وهذا قرع باب آخر لعالم آخر من عوالم المكاشفات فلنترك جميع ذلك فإن مقصودنا التنبيه على طريق التوحيد في الفعل فإن الفاعل بالحقيقة واحد فهو المخوف والمرجو وعليه التوكل والاعتماد ولم نقدر على أن نذكر من بحار التوحيد إلا قطرة من بحر المقام الثالث من مقامات التوحيد واستيفاء ذلك في عمر نوح محال كاستيفاء ماء البحر بأخذ القطرات منه وكل ذلك ينطوي تحت قول لا إله إلا الله وما أخف مؤنته على اللسان وما أسهل اعتقاد مفهوم لفظه على القلب وما أعز حقيقته ولبه عند العلماء الراسخين في العلم فكيف عند غيرهم

فإن قلت فكيف الجمع بين التوحيد والشرع ومعنى التوحيد أن لا فاعل إلا الله تعالى ومعنى الشرع إثبات الأفعال للعباد فإن كان العبد فاعلاً فكيف يكون الله تعالى فاعلاً وإن كان الله تعالى فاعلا فكيف يكون العبد فاعلاً ومفعول بين فاعلين غير مفهوم فأقول نعم ذلك غير مفهوم إذا كان للفاعل معنى واحد وإن كان له معنيان ويكون الاسم مجملاً مردداً بينهما لم يتناقض كما يقال قتل الأمير فلاناً ويقال قتله الجلاد ولكن الأمير قاتل بمعنى والجلاد قاتل بمعنى آخر فكذلك العبد فاعل بمعنى والله عز وجل فاعل بمعنى آخر فمعنى كون الله تعالى فاعلا أنه المخترع الموجد ومعنى كون العبد فاعلاً أنه المحل الذي خلق فيه القدرة بعد أن خلق فيه الإرادة بعد أن خلق فيه العلم فارتبطت القدرة بالإرادة والحركة بالقدرة ارتباط الشرط بالمشروط وارتبط بقدرة الله ارتباط المعلول بالعلة وارتباط المخترع بالمخترع وكل ما له ارتباط بقدرة فإن محل القدرة يسمى فاعلاً له كيفما كان الارتباط كما يسمى الجلاد قاتلاً والأمير قاتلاً لأن القتل ارتبط بقدرتهما ولكن على وجهين مختلفين فلذلك سمي فعلاً لهما فكذلك ارتباط المقدورات بالقدرتين ولأجل توافق ذلك وتطابقه نسب الله تعالى الأفعال في القرآن مرة إلى الملائكة ومرة إلى العباد ونسبها بعينها مرة أخرى إلى نفسه فقال الله تعالى في الموت قل يتوفاكم ملك الموت ثم قال عز وجل الله يتوفى الأنفس حين موتها وقال تعالى أفرأيتم ما تحرثون أضاف إلينا ثم قَالَ تَعَالَى أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وقال عز وجل فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سوياً ثم قال تعالى فنفخنا فيها من روحنا وكان النافخ جبريل عليه السلام وكما قال تعالى فإذا قرأناه فاتبع قرآنه قيل في التفسير معناه إذا قرأه عليك جبريل وقال تعالى قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم فأضاف القتل إليهم والتعذيب إلى نفسه والتعذيب هو عين

<<  <  ج: ص:  >  >>