صادقاً من قلبه مخلصاً وجبت له الجنة (١) وحيث أطلق من غير الصدق والإخلاص أراد بالمطلق هذا المقيد كما أضاف المغفرة إلى الإيمان والعمل الصالح في بعض المواضع وأضافها إلى مجرد الإيمان في بعض المواضع والمراد به المقيد بالعمل الصالح فالملك لا ينال بالحديث وحركة اللسان حديث وعقد القلب أيضاً حديث ولكنه حديث نفس وإنما الصدق والإخلاص وراءهما ولا ينصب سرير الملك إلا للمقربين وهم المخلصون نعم لمن يقرب منهم في الرتبة من أصحاب اليمين أيضاً درجات عند الله تعالى وإن كانت لا تنتهي إلا بالملك أما ترى أن الله سبحانه لما ذكر في سورة الواقعة المقربين السابقين تعرض لسرير الملك فقال {على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين} ولما انتهى إلى أصحاب اليمين ما زاد في ذكر الماء والظل والفواكه والأشجار والحور العين وكل ذلك من لذات المنظور والمشروب والمأكول والمنكوح ويتصور ذلك للبهائم على الدوام وأين لذات البهائم من لذة الملك والنزول في أعلى عليين في جوار رب العالمين ولو كان لهذه اللذات قدر لما وسعت على البهائم ولما رفعت عليها درجة الملائكة أفترى أن أحوال البهائم وهي مسيبة في الرياض متنعمة بالماء والأشجار وأصناف المأكولات متمتعة بالنزوان والسفاد أعلى وألذ وأشرف وأجدر بأن تكون عند ذوي الكمال مغبوطة من أحوال الملائكة في سرورهم بالقرب من جوار رب العالمين في أعلى عليين هيهات هيهات ما أبعد عن التحصيل من إذا خير بين أن يكون حماراً أو يكون في درجة جبريل عليه السلام فيختار درجة الحمار على درجة جبريل عليه السلام وليس يخفى أن شبه كل شيء منجذب إليه وأن النفس التي نزوعها إلى صنعة الأساكفة أكثر من نزوعها إلى صنعة الكتابة فهو بالأساكفة أشبه في جوهره منه بالكتاب وكذلك من نزوع نفسه إلى نيل لذات البهائم أكثر من نزوعها إلى نيل لذات الملائكة فهو بالبهائم أشبه منه بالملائكة لا محالة وهؤلاء هم الذين يقال فيهم {أولئك كالأنعام بل هم أضل} وإنما كانوا أضل لأن الأنعام ليس في قوتها طلب درجة الملائكة فتركها الطلب للعجز وأما الإنسان ففي قوته ذلك والقادر على نيل الكمال أحرى بالذم وأجدر بالنسبة إلى الضلال مهما تقاعد عن طلب الكمال وإذا كان هذا كلاماً معترضاً فلنرجع إلى المقصود فقد بينا معنى قول {لا إله إلا الله} ومعنى قول لا حول ولا قوة إلا بالله وإن من ليس قائلاً بهما عن مشاهدة فلا يتصور منه حال التوكل
فإن قلت ليس في قولك لا حول ولا قوة إلا بالله إلا نسبة شيئين إلى الله فلو قال قائل السماء والأرض خلق الله فهل يكون ثوابه مثل ثوابه فأقول لا لأن الثواب على قدر درجة المثاب عليه ولا مساواة بين الدرجتين ولا ينظر إلى عظم السماء والأرض وصغر الحول والقوة إن جاز وصفهما بالصغر تجوزا فليست الأمور بعظم الأشخاص بل كل عامي يفهم أن الأرض والسماء ليستا من جهة الآدميين بل هما من خلق الله تعالى فأما الحول والقوة فقد أشكل أمرهما على المعتزلة والفلاسفة وطوائف كثيرة ممن يدعي أنه يدقق النظر في الرأي والمعقول حتى يشق الشعر بحدة نظره فهي مهلكة مخطرة ومزلة عظيمة هلك فيها الغافلون إذ أثبتوا لأنفسهم أمراً وهو شرك في التوحيد وإثبات خالق سوى الله تعالى فمن جاوز هذه العقبة بتوفيق الله تعالى إياه فقد علت رتبته وعظمت درجته فهو الذي يصدق قول لا حول ولا قوة إلا بالله وقد ذكرنا أنه ليس في التوحيد إلا عقبتان إحداهما النظر
(١) حديث من قال لا إله إلا الله صادقا مخلصا من قلبه وجبت له الجنة رواه الطبراني من حديث زيد بن أرقم وأبو يعلى من حديث أبي هريرة وقد تقدم