ومنها أن يكون في حبه خائفاً متضائلاً تحت الهيبة والتعظيم وقد يظن أن الخوف يضاد الحب وليس كذلك بل إدراك العظمة يوجب الهيبة كما أن إدراك الجمال يوجب الحب ولخصوص المحبين مخاوف في مقام المحبة ليست لغيرهم وبعض مخاوفهم أشد من بعض فأولها خوف الإعراض وأشد منه خوف الحجاب وأشد منه خوف الإبعاد وهذا المعنى في سورة هود هو الذي شيب سيد المحبين (٢) إذ سمع قوله تعالى ألا بعدا الثمود ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود وإنما تعظم هيبة البعد وخوفه في قلب من ألف القرب وذاقه وتنعم به فحديث البعد في حق المبعدين يشيب سماعه أهل القرب في القرب ولا يحن إلى القرب من ألف البعد ولا يبكي لخوف البعد من لم يمكن من بساط القرب ثم خوف الوقوف وسلب المزيد فإنا قدمنا أن درجات القرب لا نهاية لها وحق العبد أن يجتهد في كل نفس حتى يزداد فيه قرباً وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون (٣) وكذلك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي في اليوم والليلة حتى أستغفر الله سبعين مرة