للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدق عند مليك مقتدر فالأبرار يرتعون في البساتين ويتنعمون في الجنان مع الحورالعين والولدان والمقربون ملازمون للحضرة عاكفون بطرفهم عليها يستحقرون نعيم الجنان بالإضافة إلى ذرة منها فقوم بقضاء شهوة البطن والفرج مشغولون وللمجالسة أقوام آخرون وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أكثر أهل الجنة البله وعليون لذوى الألباب (١) حديث شيبتنى هود أخرجه الترمذى وقد تقدم غير مرة (٢) حديث من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون لا أعلم هذا إلا في منام لعبد العزيز بن أبي رواد قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت يا رسول الله أوصنى فقال ذلك بزيادة في آخره رواه البيهقى في الزهد (٣) حديث إنه ليغان على قلبي متفق عليه من حديث الأغر وقد تقدم // وإنما كان استغفاره من القدم الأول فإنه كان بعداً بالإضافة إلى القدم الثاني ويكون ذلك عقوبة لهم على الفتور في الطريق والالتفات إلى غير المحبوب كما روي أن الله تعالى يقول إن أدنى ما أصنع بالعالم إذا آثر شهوات الدنيا على طاعتي أن أسلبه لذيذ مناجاتي

فسلب المزيد بسبب الشهوات عقوبة للعموم فأما الخصوص فيحجبهم عن المزيد مجرد الدعوى والعجب والركون إلى ما ظهر من مبادىء اللطف وذلك هو المكر الخفي الذي لا يقدر على الاحتراز منه إلا ذوو الأقدام الراسخة ثم خوف فوت ما لا يدرك بعد فوته سمع إبراهيم بن أدهم قائلاً يقول وهو في سياحة وكان على الجبل

كل شيء منك مغفو ... ر سوى الإعراض عنا

قد وهبنا لك ما فا ... ت فهب لنا ما فات منا

فاضطرب وغشي عليه فلم يفق يوماً وليلة وطرأت عليه أحوال ثم قال سمعت النداء من الجبل يا إبراهيم كن عبداً فكنت عبداً واسترحت

ثم خوف السلو عنه فإن المحب يلازمه الشوق والطلب الحثيث فلا يفتر عن طلب المزيد ولا يتسلى إلا بلطف جديد فإن تسلى عن ذلك كان ذلك سبب وقوفه أو سبب رجعته

والسلو يدخل عليه من حيث لا يشعر كما قد يدخل عليه الحب من حيث لا يشعر فإن هذه التقلبات لها أسباب خفية سماوية ليس في قوة البشر الإطلاع عليها فإذا


(١) حديث أكثر أهل الجنة البله وعليون لذوى الألباب أخرجه البزار من حديث أنس بسند ضعيف مقتصرا على الشطر الأول وقد تقدم والشطر الثانى من كلام أحمد بن أبي الحواري ولعله أدرج فيه ولما قصرت الأفهام عن درك معنى عليين عظم أمره فقال وما أدراك ما عليون كما قال تعالى القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة
ومنها أن يكون في حبه خائفاً متضائلاً تحت الهيبة والتعظيم وقد يظن أن الخوف يضاد الحب وليس كذلك بل إدراك العظمة يوجب الهيبة كما أن إدراك الجمال يوجب الحب ولخصوص المحبين مخاوف في مقام المحبة ليست لغيرهم وبعض مخاوفهم أشد من بعض فأولها خوف الإعراض وأشد منه خوف الحجاب وأشد منه خوف الإبعاد وهذا المعنى في سورة هود هو الذي شيب سيد المحبين
(٢) إذ سمع قوله تعالى ألا بعدا الثمود ألا بعداً لمدين كما بعدت ثمود وإنما تعظم هيبة البعد وخوفه في قلب من ألف القرب وذاقه وتنعم به فحديث البعد في حق المبعدين يشيب سماعه أهل القرب في القرب ولا يحن إلى القرب من ألف البعد ولا يبكي لخوف البعد من لم يمكن من بساط القرب ثم خوف الوقوف وسلب المزيد فإنا قدمنا أن درجات القرب لا نهاية لها وحق العبد أن يجتهد في كل نفس حتى يزداد فيه قرباً وَلِذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان يومه شراً من أمسه فهو ملعون
(٣) وكذلك قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي في اليوم والليلة حتى أستغفر الله سبعين مرة

<<  <  ج: ص:  >  >>