للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَيْرِهِ أَوْ يُطْعِمُ فَقِيرًا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ أو يبني مدرسة أو مسجداً أو رباطاً بِمَالٍ حَرَامٍ وَقَصْدُهُ الْخَيْرُ فَهَذَا كُلُّهُ جَهْلٌ وَالنِّيَّةُ لَا تُؤَثِّرُ فِي إِخْرَاجِهِ عَنْ كَوْنِهِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَمَعْصِيَةً بَلْ قَصْدُهُ الْخَيْرَ بِالشَّرِّ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الشَّرْعِ شَرٌّ آخَرُ فَإِنْ عَرَفَهُ فَهُوَ مُعَانِدٌ لِلشَّرْعِ وَإِنْ جَهِلَهُ فَهُوَ عَاصٍ بِجَهْلِهِ إِذْ طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَالْخَيْرَاتُ إِنَّمَا يُعْرَفُ كَوْنُهَا خَيْرَاتٍ للشرع فكيف يمكن أن يكون الشر خير هيهات بل المروج لذلك على القلب خفي الشهوة وباطن الهوى فإن القلب إذا كان مائلاً إلى طلب الجاه واستمالة قلوب الناس وسائر حظوظ النفس توسل الشيطان به إلى التلبيس على الجاهل وَلِذَلِكَ قَالَ سهل رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا عصي الله تعالى بِمَعْصِيَةٍ أَعْظَمَ مِنَ الْجَهْلِ قِيلَ يَا أبا محمد هَلْ تَعْرِفُ شَيْئًا أَشَدَّ مِنَ الْجَهْلِ قَالَ نَعَمْ الْجَهْلُ بِالْجَهْلِ

وَهُوَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالْجَهْلِ يَسُدُّ بِالْكُلِّيَّةِ بَابَ التَّعَلُّمِ فمن يظن بالكلية بِنَفْسِهِ أَنَّهُ عَالِمٌ فَكَيْفَ يَتَعَلَّمُ وَكَذَلِكَ أَفْضَلُ مَا أُطِيعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الْعِلْمُ وَرَأْسُ الْعِلْمِ الْعِلْمُ بِالْعِلْمِ كَمَا أَنَّ رَأْسَ الْجَهْلِ الجهل بالجهل

فإن من لا يعلم العلم النافع من العلم الضار اشتغل بما أكب الناس عليه من العلوم المزخرفة التي هي وسائلهم إلى الدنيا وذلك هو مادة الجهل ومنبع فساد العالم والمقصود أن من قصد الخير بمعصية عن جهل فهو غير معذور إلا إذا كان قريب العهد بالإسلام ولم يجد بعد مهلة للتعلم

وقد قال الله سبحانه فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا يعذر الجاهل على الجهل ولا يحل للجاهل أن يسكت على جهله ولا للعالم أن يسكت على علمه (١)

ويقرب من تقرب السلاطين ببناء المساجد والمدارس بالمال الحرام تقرب العلماء السوء بتعليم العلم للسفهاء والأشرار المشغولين بالفسق والفجور القاصرين هممهم على مماراة العلماء ومباراة السفهاء واستمالة وجوه الناس وجمع حطام الدنيا وأخذ أموال السلاطين واليتامى والمساكين فإن هؤلاء إذا تعلموا كانوا قطاع طريق الله تعالى وانتهض كل واحد منهم في بلدته نائباً عن الدجال يتكالب على الدنيا ويتبع الهوى ويتباعد عن التقوى ويستجرى الناس بسبب مشاهدته على معاصي الله تعالى ثم قد ينتشر ذلك العلم إلى مثله وأمثاله ويتخذونه أيضاً آلة ووسيلة في الشر وإتباع الهوى ويتسلسل ذلك ووبال جميعه يرجع إلى المعلم الذي علمه العلم مع علمه بفساد نيته وقصده ومشاهدته أنواع المعاصي من أقواله وأفعاله وفي مطعمه وملبسه ومسكنه فيموت هذا العالم وتبقى آثار شره منتشرة في العالم ألف سنة مثلاً وألفي سنة وَطُوبَى لِمَنْ إِذَا مَاتَ مَاتَتْ مَعَهُ ذُنُوبُهُ ثم العجب من جهله حيث يقول إنما الأعمال بالنيات وقد قصدت بذلك نشر علم الدين فإن استعمله هو في الفساد فالمعصية منه لا مني وما قصدت به إلا أن يستعين به على الخير

وإنما حب الرياسة والاستتباع والتفاخر بعلو العلم يحسن ذلك في قلبه والشيطان بواسطة حب الرياسة يلبس عليه وليت شعري ما جوابه عمن وهب سيفاً من قاطع طريق وأعد له خيلاً وأسباباً يستعين بها على مقصوده ويقول إنما أردت البذل والسخاء والتخلق بأخلاق الله الجميلة وقصدت به أن يغزو بهذا السيف والفرس في سبيل الله تعالى فإن إعداد الخيل والرباط والقوة للغزاة من أفضل القربات فإن هو صرفه إلى قطع الطريق فهو العاصي

وقد أجمع الفقهاء على أن ذلك حرام مع أن السخاء هو أحب الأخلاق إلى الله تعالى حتى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن لله تعالى ثلثمائة خلق من تقرب إليه


(١) حديث لا يعذر الجاهل على الجهل ولا يحل للجاهل أن يسكت على جهله الحديث أخرجه الطبرانى في الأوسط وابن السنى وأبو نعيم في رياضة المتعلمين من حديث جابر بسند ضعيف دون قوله لا يعذر الجاهل على الجهل وقال لا ينبغى بدل ولا يحل وقد تقدم في العلم

<<  <  ج: ص:  >  >>