الأوقات وقد تتعذر في بعضها نعم من كان الغالب على قلبه أمر الدين تيسر عليه في أكثر الأحوال إحضار النية للخيرات فإن قلبه مائل بالجملة إلى أصل الخير فينبعث إلى التفاصيل غالباً
ومن مال قلبه إلى الدنيا وغلبت عليه لم يتيسر له ذلك بل لا يتيسر له في الفرائض إلا بجهد جهيد وغايته أن يتذكر النار ويحذر نفسه عقابها أو نعيم الجنة ويرغب نفسه فيها فربما تنبعث له داعية ضعيفة فيكون ثوابه بقدر رغبته ونيته
وأما الطاعة على نية إجلال الله تعالى لاستحقاقه الطاعة والعبودية فلا تتيسر للراغب في الدنيا وهذه أعز النيات وأعلاها ويعز على بسيط الأرض من يفهمها فضلاً عمن يتعاطاها
ونيات الناس في الطاعات أقسام إذ منهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف فإنه يتقي النار
ومنهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء وهو الرغبة في الجنة وهذا وإن كان نازلاً بالإضافة إلى قصد طاعة الله وتعظيمه لذاته ولجلاله لا لأمر سواه فهو من جملة النيات الصحيحة لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة وإن كان من جنس المألوفات في الدنيا وأغلب البواعث باعث الفرج والبطن وموضع قضاء وطرهما الجنة فالعامل لأجل الجنة عامل لبطنه وفرجه كالأجير السوء ودرجته درجة البله
وإنه لينالها بعمله إذ أكثر أهل الجنة البله وأما عبادة ذوي الألباب فإنها لا تجاوز ذكر الله تعالى والفكر فيه لجماله لماله وجلاله وسائر الأعمال تكون مؤكدات وروادف وهؤلاء أرفع درجة من الالتفات إلى المنكوح والمطعوم في الجنة فإنهم لم يقصدوها بل هم الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ فقط وثواب الناس بقدر نياتهم فلا جرم يتنعمون بالنظر إلى وجهه الكريم ويسخرون ممن يلتفت إلى وجه الحور العين كما يسخر المتنعم بالنظر إلى الحور العين ممن يتنعم بالنظر إلى وجه الصور المصنوعة من الطين بل أشد فإن التفاوت بين جمال حضرة الربوبية وجمال الحور العين أشد وأعظم كثيراً من التفاوت بين جمال الحور العين والصور المصنوعة من الطين بل استعظام النفوس البهيمية الشهوانية لقضاء الوطر من مخالطة الحسان وإعراضهم عن جمال وجه الله الكريم يضاهي استعظام الخنفساء لصاحبتها وإلفها لها وإعراضها عن النظر إلى جمال وجوه النساء فعمي أكثر القلوب عن إبصار جمال الله وجلاله يضاهي عمى الخنفساء عن إدراك جمال النساء بأنها لا تشعر به أصلاً ولا تلتفت إليه ولو كان لها عقل وذكرن لها لاستحسنت عقل من يلتفت إليهن ولا يزالون مختلفين كل حزب بما لديهم فرحون ولذلك خلقهم
حكي أن أحمد بن خضرويه رأى ربه عز وجل في المنام فقال له كل الناس يطلبون مني الجنة إلا أبا يزيد فإنه يطلبني ورأى أبو يزيد ربه في المنام فقال يا رب كيف الطريق إليك فقال اترك نفسك وتعال إلي
ورؤي الشبلي بعد موته في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال لم يطالبني على الدعاوي بالبرهان إلا على قول واحد قلت يوما أي خسارة أعظم من خسران الجنة فقال أي خسارة أعظم من خسران لقائي
والغرض أن هذه النيات متفاوتة الدرجات ومن غلب على قلبه واحدة منها ربما لا يتيسر له العدول إلى غيرها
ومعرفة هذه الحقائق تورث أعمالاً وأفعالاً لا يستنكرها الظاهريون من الفقهاء فإنا نقول من حضرت له نية في مباح ولم تحضر في فضيلة فالمباح أولى وانتقلت الفضيلة إليه وصارت الفضيلة في حقه نقيصة لأن الأعمال بالنيات
وذلك مثل العفو فإنه أفضل من الانتصار في الظلم وربما تحضره نية في الانتصار دون العفو فيكون ذلك أفضل
ومثل أن يكون له نية في الأكل والشرب والنوم ليريح نفسه ويتقوى على العبادات في المستقبل وليس تنبعث نيته في الحالين للصوم والصلاة فالأكل والشرب والنوم هو الأفضل له
بل لو مل العبادة